محمد سعيد العضب يكتب | البنوك المركزية ومغالطات السوق الفعال

0

قبل ستة أشهر من انجاز الكتاب المعنون “أصل نشاة الازمة المالية “لجورج كوبر , تكثفت الازمة المالية الي حد وصل فيه النظام المالي الكوني في اكتوبر عام 2008 علي حافة الانهيار .ان الاعلان عن رزمة الانقاذ ساهم علي الاقل في استمرار النظام المالي والتجارة الكونية في العمل. ففي اطار هذا العالم المترابط والمتبادل قد يصعب تصور تبعات وابعاد مثل هذه الاخفاقات مع ذلك يظل الجميع يأمل بما فيهم الكاتب ان تسجل تواريخ افلاسات موسسة ليمان برذر وغيرها من الموسسات المالية العملاقة مرحلة جديدة لاعادة النظرليس فقط في ممارسات النشاط الاقتصادي المنفلتة التي سادت العقود الاخيرة من مسيرة البشريةبل النظريات الاقتصادية الحاكمة التي اثبت التاريخ خطل معظمها . الكتاب المعروض هنا احد الاصوات التي حاولت القاء اللوم علي الجماعة الاكاديميةفي الاقتصاد , حينما قامت في ترويج نظريات خاطئة .
يعتبرالكتاب استجابة او محاولة في البحث عن اصل مثل هذه الازمات , بالاخص ازمة قروض الائتمان, التي تعرض لها الاقتصاد العالمي عموما, والاقتصاد الاميركي خصوصا ,حيث استهدف بالدرجة الاولي ليس فقط تفسير سبب ظهور فقاعات اسعار الاصول الراسمالية والموجودات الورقيةالمستمر , ومايتبعها من ازمات مدمرة في قطاع الائتمان المصرفي والاقتصاد الكوني , بل حاول ايضا توصيف العملية التي تخلق دورة الرواج – الكساد الازمات الضارة , والاسباب التي تقف وراء تكرارهذة الدورات في مسيرة الاقتصاد الراسمالي, التي بدورها نجمت او تفاقمت من سياسات نقدية ومالية خاطئة تم تبنيها واعتمادها في عرض اوخلق الائتمان المصرفي الذي اعتقد بموجب الارثودكسية الاقتصادية, بانة القاعدة والاساس في توليد الثروة والرفاة الاقتصادي . هذا واستهدف الكاتب من وراء ذلك تطويرمنهجية في فهم حالة عدم الاستقرار المالي ودور البنوك المركزية في نشوء هذه الاوضاع , كلة من اجل تنشيط المناقشات حول عملية اصلاح السياسية الاقتصادية الكلية . تتطلب عملية تخفيف الاضرار الناجمة من دورة الرواج – الكساد والازمات الضارة في الاقتصاد, ان يقوم المشاركون في النشاط الاقتصادي كافة الاعتراف والاقرار باهمية دور وقيود السياسة الاقتصادية الكلية .علية يستلزم حسب قولة من قادة السياسة والمواطنون ,الاعتراف في عدم امكانية او ضرورة استخدام السياسة النقدية والمالية فور من اجل ابطال او تعطيل او التصدي للتراجع الاقتصادي الحاصل .علية يتطلب من البنك المركزي العودة مجددا الي وظيفته المحورية وغاياته الاساسية, وهي ادارة عملية خلق الائتمان, كما يجب علية ان يكتسب الخبرة والجدارة في كيفية التصدي اومقاومة الضغوط السياسية او مطالب القطاع الخاص الرامية الي زيادة الاقراض الغير محدود من اجل التوسع الاقتصادي .تتمحور مقولة الكتاب المركزية في ان النظام المالي قد لايسلك او يتصرف بالضرورة حسب قوانين” فرضية السوق الفعال والكفوء”,كما وردت في سياق منطوق ا واحكام النظرية الاقتصادية السائدة في الوقت الحاضر.لقد حاولت فرضية” السوق الفعال ” توصيف النظام المالي باعتبارة حيوان طيع , يعمل ويستجيب بموجب ادواتة الخاصة ,كما يمكنة ذاتيا تحقيق حالة التوازن المثلي في الاقتصاد .يبدو ان الوضع عكس ذلك حينما , حاول الكاتب التوكيد علي ان عدم الاستقرار المالي والاقتصادي حالة متاصلة ومتجذرة في صلب النظام وانها قضية مزمنة واصيلة تنعكس دائما في الدورة الاقتصادية … الرواج – الازمات , كما يعجز هذا النظام عموما ان يضمن تحقيق حالة توازن ثابتة مستقرة ودائمة , بل يميل بطبيعته دائما الي خلق حلقات او دوائر ضارة تتنقل بين الرواج الي الانكماش والتقلص والكساد والازمات .علية تستلزم حالة عدم الاستقرارالموضوعية والحتمية, ان يقوم البنك المركزي في التدخل المستمر في ادارة عملية خلق الائتمان . اعتمادا علي هذه الحقيقة حاول الكاتب تفسيرأسباب انحراف البنك المركزي, او ربما انزالقة في اتون غير مرغوبة, بالتالي اصبح عاجزا كليا من التاثير الفعال علي الفعاليات الاقتصادية, مما جعلة عبر الوقت يساهم بشكل مباشر او غير مباشر في تضخيم او الاكثار من دورة الرواج –ا الكساد والازمات الضارة من ناحية , و خلق حالة عدم الاستقرارفي الاقتصاد القومي والكوني من ناحية اخري .
عموما تمكن محلل الاسواق المالية الاستاذ جورج كوبر عبر تقديمة سلسة من الادلة والحجج في تحدي المبادي الاساسية للارثودكسية الاقتصادية الحاضرة “فاعلية نظام السوق” القائمة علي العرض والطلب والمنافسة ,كما حاول تفسير كيفية قيام الجميع في دفع الاقتصاد نحو هاوية الازمات .لقد قام بمهارة عالية فحص اسس الفلسفة الاقتصادية المعتمدة وتحليلات اضافية من اجل كشف القوي الكامنة وراء هذه الازمات, هادفا من ذلك ليس فقط توفير الوسائل الممكنة في التصدي او تجاوز نشوء او انبثاق دورة الرواج –الازمات الضارة, بل تحاشي تكوين الفقاعات الاقتصادية من ناحية ,ومواجهة ضغوط الائتمان والاقتراض وتسكين معدلات التضخم من ناحية اخري .
يتالف الكتاب من مقدمة وتسع فصول هي كالاتي
1.المدخل
2.السوق الفعال والنك المركزي
3.النقود,البنوك والبنك المركزي
4.السوق المستقرة وغير المستقرة
5.تضليل القوي الفاعلة في النشاط الاقتصادي والمالي
6.حول وسائل الكبح المستخدمة من قبل البنك المركزي
7.منسكي يقابل ماندلبروت ( Hyman Minskyاقتصادي اميركي 1970,Benoit Mandelbrot مخترع الكسور الهندسية )
8.ما وراء مغالطة” السوق الفعال”
9.ملاحظات ختامية

في سياق هذه الفصول تعرض الكاتب فيها الي السياسة المالية والنقدية غير المتوازنة , كما حاول دحض عقيدة السوق الفعال و العلاقة بين دور البنك المركزي وامكانية خلق نظام سوق فعال من ناحية وعملية تطور النقود ووظائفها ودور البنك المركز ي والبنوك التجارية في عرضها من ناحية اخري ,كما تم التركيز علي مسالة استقرار الاسواق من عدم استقرها واثر ذلك علي خلق الثروة والرفاة وكيفية توطيد أساليب الكبح المستخدمة من قبل البنك المركزي وتعزير دورة في توليد الثروة وضمان الاستقرار الاقتصادي علاوة عل مناقشته لمغالطات السوق الفعال مستخدما اعمال الاقتصادي الاميركي هايمن منسكي والفيزياوي جيمس كلارك ماكس ويل وعالم الرياضيات ماندلبروت, كلة من اجل دعم حججة واثبات خطل فرضية “نظام اقتصاد السوق الفعال ” .

هذا ويرقي الكتاب, ليشكل دحضا للسياسية النقدية التي اعتمدها صندوق الاحتياطي الفيدرالي الاميركي عبر العقود الماضية, حيث لعبت هذه السياسية النقدية الخاطئة حسب تحليلاتة دورا هاما في خلق واحتضان الازمة الحالية.مع ذلك يري إنه ليس من السهولة ,ان يلقي اللوم علي مؤسسة او شخصا بذاته, خصوصا وان مجمل المماراسات تمخضت او حددتها سياسية استراتجية صندوق الاحتياطي الفيدرالي القائمة علي الفكرة او الحكمة الاقتصادية السائدة في يومنا الحاضر,التي تتمحور في فاعلية نظام اقتصاد السوق وادواتة الخاصة( العرض والطلب والمنافسة ) في تسيير النشاطات وتحقيق حالة التوازن المطلوبة.لقد ظهر لاحقا ان هذه الحكمة قد اخفقت تماما في تشخيص ضرورة ادارة خلق الائتمان الكلي .علاوة علي ذلك طرح الكاتب اثار وابعاد السياسة النقدية اليابانية في تراكم ازمات الاقتصاد العالمي, كما حاول المقارنة بين اخطاء السياسة النقدية لصندوق الاحتياطي الفيدرالي الاميركي ,التي بدورها قادت الي الازمة الحالية من ناحية , و تلك الاخطاء المصاحبة مع صخب الاقراض الياباني الذي حصل في الثمانيات, الذي ترجم او تحول في نهاية المطاف,الي تثبيت سعر فائدة بمعدل قدرة “صفرا”لفترة تجاوزت ( 13 )عاما من ناحية اخري . ان ديمومة سعر فائدة “صفرا ” لمدة طويلة في اقتصاد هام يقودة كليا نشاط قطاع التصدير , لابد لة ان يلعب دورا حاسما او يترك اثارا واسعة علي حركة الاقتصاد الكوني, وما يعترية الان من حالة انهاك ,تعثر, ضياع وازمات.استنادا علي هذا الحقائق يعتقد الكاتب بان المسوولية التاريخية تقع بالدرجة الاولي علي عاتق الجماعات الاكاديميةفي مجال العلوم الاقتصادية ,حينما قامت دائما في ترويج نظريات خاطئة حول حتمية فاعلية وكفاءة نظام اقتصاد السوق وقدرة النظام في التحكم وتسيير الفعاليات والنشاطات المختلفة ذاتية بوسائلةالخاصة , رغم بزوغ جملة من الدلائل والقرائن التي تفند”كفاءة نظام اقتصاد السوق “, .صحيح ان الائتمان حسب راي الكاتب, قد يشكل اساسا وقاعدة هامة في عملية توليد الثروة, لكنة في ذات الوقت قد يسبب حالة عدم استقرار مالي بالتالي تراجع او ازمات في مجمل النشاطات الاقتصادية بما في ذلك في سوق العمل وتزايد معدلات البطالة .علية يجب ان تتم الموازنة الحقة بين حسنات وميزات توليد الثروةعبر عملية خلق الائتمان من ناحية, واضرار او مساوي حالة عدم الاستقرار الناجمةعن ذلك من ناحية اخري ..لقد ورثت الولايات المتحدة الاميركية بني وهياكل انظمة مالية ونقدية جيدة لامثيل لها في التاريخ, حيث اعتمدت دائما في تسييرالنشاط الاقتصادي من قبل نظام البنك المركزي كان من الممكن عند استخدامة ببراعة ودراية وحكمة ان يكون قادرا في احتواءحالات عدم استقرار التي نشاءت او تنشا بين حين واخرسواء في نظام الائتمان المصرفي والقطاع المالي او مجمل النشاطات الاقتصادية , بالتالي تصعيد قدرات توليد الثروة علي الامد البعيد . يبدو ان هذه الامكانية قد هدرت من قبل المماراسات التي سادت في العقود الماضية .
تكمن الخطوات العمليةان تتم العودة الي صيغ احاكمة تضع الاولوية للاستقرار المالي اثناء عملية خلق الائتمان , كلة من اجل ضمان تكثير توليد الثروة في المجتمع والاقتصاد القومي وتحاشي مضار تكرار دورة الرواج – الازمات . مع ذلك يظل التحدي الكبير يتمحور في حتمية تغيير التفكير والتخلي من عقيدة فاعليةالسوق وكفاءة نظام السوق والتحول الي الايمان الحتمي والاقرار السرمدي في ضرورات تعزيز التحكم في عملية خلق الائتمان الكلي والتدخل عند الحاجة في تلقيص ضخ الاموال او الحد منها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.