ماجد أحمد الزاملي يكتب | الاقتصاد العالمي التضخم والانكماش (١ – ٢)

0

عرفت بداية السبعينات ومنذ 1973 جهوداً مكثفةً من جميع أطراف المجتمع الدولي لإعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية فيما بينها و تصحيح الاختلالات الناتجة عن النظام الاقتصادي السائد من قبل. وتزايد إدراك ووعي الدول النامية بعد نجاح دول الأوبك بالتحكم في أسعار وكميات النفط لتحقيق مصالحها عام 1973بعد حرب أكتوبر واكتشاف أن لدى الدول النامية من الإمكانيات ما يؤهلها لتغيير هذا النظام لصالحها، حيث إن قرار
الأوبك قد نقل لأول مرة – ولو لأجل محدود وسلعة واحدة- السلطة الاقتصادية إلى العالم الثالث وعلى صعيد آخر اتضح من انتصار الشعب الفيتنامي بعد حرب الثلاثين عاماً أن إستخدام القوة العسكرية لم يعد الوسيلة
الفعّالة لتأكد السلطة الاقتصادية. ولعل نتائج المرحلة الأولى الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 1973 قد أظهرت الحاجة الشديدة إلى نظام اقتصادي دولي جديد وخاصة تلك النتائج المتعلقة بمدى الظلم
الواقع على الدول النامية والتفاوت الذي كانت تتسع هوَّته بين الدول الرأسمالية والدول النامية، و اكتشاف أن استمرار تلك الأوضاع ليس في صالح الدول المتقدمة نفسها، بل وأدركت عناصر مستنيرة في الغرب أن
الرخاء لا يمكن أن يستمر وأن السلام الدولي لا يمكن أن يستتب، إذا لم تؤخذ تطلعات شعوب العالم الثالث في الاعتبار. ودعت دول عدم الانحياز في مؤتمرها الرابع المنعقد في سبتمبر 1973 بالجزائر إلى إقامة نظام
اقتصادي دولي جديد يتيح ظروف أفضل للتقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع البشرية ويعطي فرصاً متساوية للنمو والتنمية لجميع أطرافه. ومند هذا التاريخ اهتمت الهيئات الدولية بهذا الموضوع. وخلال دورتها الخاصة
لسنة 1974 المخصصة لمناقشة موضوع قضايا التنمية والمواد الأولية، المنعقدة بناءً على طلب من الجزائر، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين تاريخيين يتعلق القرار الأول إعلان بشأن إقامة نظام اقتصادي
دولي جديد والقرار الثاني يتعلق ببرنامج العمل لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد. وهكذا تبلور شيئا فشيئا الإحساس بأن تعديل نظام العلاقات الاقتصادية الدولية الراهنة تعديلا جوهريا يقتضي تعديلات جذرية في
إستراتيجية التنمية و السياسات الاقتصادية بل والاجتماعية داخل الدول المعنية، ومؤدي ذلك هو أن البحث عن نظام اقتصادي دولي جديد يجب أن يتعمق ويمتد ليصبح بحثاً عن نظام اقتصادي عالمي جديد. وجاء مؤتمر
الحوار بين الشمال والجنوب في ديسمبر 1975 و يعرف أيضاً بمؤتمر الأغنياء والفقراء الذي عقد بباريس حول قضايا الطاقة والمواد الأولية والتنمية والشؤون المالية والديون، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة
الذي عقد في نيروبي بكينيا في مايو 1976، و طرحت في جدول أعماله قضيتين متصلتين، هما قضية المواد الأولية وقضية المديونية الخارجية للدول النامية، وفيما يتعلق بقضية المواد الأولية تقدمت الدول النامية بمشروع برنامج متكامل لأسعار المواد الأولية.
أما بالنسبة لقضية المديونية الخارجية، فقد اقترحت مجموعة السبع والسبعين، عقد مؤتمر دولي لهذا الغرض، تناقش فيه كل الجوانب المختلفة بهذا الموضوع، و توضح قواعد عامة للتخفيف من عبء المديونية على الدول
النامية، وفي الجانب الآخر، رفضت الدول الرأسمالية المتقدمة هذا الاقتراح وأصرَّت على التفاوض مع كل بلد مدين على حدة. و إزاء هذه المواقف المتعنتة من الدول المتقدمة لم يكن من الممكن الوصول إلى نتائج محددة
فيما يتعلق بالجهود الدولية لمعالجة قضايا المواد الأولية و التنمية. و بالرغم من فشل هذا المؤتمر في الوصول الى نتائج محددة إلا أنه شهد أكثر من أي وقت مضى، توحِّد جبهة الدول النامية، و لم تنجح الجهود التي بذلتها
الدول الرأسمالية المتقدمة سراً وعلانية في تمزيق وحدة هذه الدول، و هذا إنجاز حقيقي، فالصراع لتغيير النظام الاقتصادي الدولي,فهو صراع بين طرف قوي هو الدول الرأسمالية المتقدمة، و طرف ضعيف هو
الدول النامية، و تكمن قوة الطرف الأول في توحيد صفوفه، و يرجع ضعف الطرف الثاني- بصفة رئيسية- إلى عدم توحيد صفوفه، و من هنا يمكن القول إن نجاح الدول النامية في توحيد صفوفها إزاء الطرف الأول،
و اتجاه القضايا المطروحة على الساحة الاقتصادية العالمية، شرط ضروري، وإن لم يكن كافياً لنجاح الجهود التي تبذل لتغيير النظام الاقتصادي الدولي .
ونتيجة استيلاء الدول الرأسمالية الرئيسية و احتكاراتها على أهم ميادين التجارة الدولية، و ذلك بواسطة
سيطرتها على ميادين الإنتاج التي أصبحت تخلق مزايا نسبية جديدة بفضل زيادة وتيرة التقدم التكنولوجي. بينما لم يبقَ أمام البلدان النامية إلاّ أن ترضى بإمكانيات مشكوك فيها للتنمية من خلال النمو الكمي في صادرات
المواد الخام، وهو المجال الذي لم يمسَّه التقدم العلمي التكنولوجي إلاّ قليلاً نسبياً، باستثناء مجموعة صغيرة فقط من الدول النامية التي استطاعت أن تحتل مكاناً في هذا التدويل للإنتاج، وحققت جزئياً نمواً في تجارة السلع
الصناعية، و هذه الدول هي: كوريا الجنوبية، هونكونغ، سنغافورة، البرازيل، المكسيك، الأرجنتين و ماليزيا.
وركزت الدول المتقدمة جهودها في الصناعات الأكثر استعمالاً لرأس المال التكنولوجي حيث تكون المكاسب
عالية، و تخلت عن فروع الصناعات ذات المكاسب الضعيفة بتلوث البيئة. فعلى صعيد التدفقات التجارية،
عرفت أواخر السبعينات و بداية الثمانينات نموا في التجارة الدولية يفوق النمو في الإنتاج الدولي، كما تميزت
هذه التجارة بالتبعية المتبادلة للأقطاب الرئيسية و بعض دول المحيط بالتمركز في مناطق جغرافية معينة. واتسم تطور التجارة الدولية بين الدول المتقدمة والدول النامية باللا تكافيء.
و تجدر الإشارة إلى أنه في السبعينات مع الاستقلال السياسي لمجموعة كبيرة من دول العالم الثالث ساد شعار
التصنيع والتنمية ورفع مستويات المعيشة في البلاد النامية. وقد استطاعت هذه الدول في البداية أن تتحكم في
المشروعات الاستثمارية وأن ترفع من قدراتها التحويلية الذاتية عن طريق تعبئة الموارد المحلية و الرقابة على
ثرواتها الوطنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.