رامي جلال يكتب | وش آيه وفعل وشاية

0

الوشاية هي أن تنقل شيئًا عن شخص بخبث قاصدًا إلحاق ضررًا به، وهو سلوك وضيع لا يصدر إلا عن من يبرر غايته بتلك الوسيلة. وعادة ما يكون الواشي شخصًا لطيفًا ذو وجه يحمل آيات القبول، فيكون “الـوش آيه والفعل وشاية”. ويعتمد الواشي على حجر صغير حقيقي ليبني فوقه جبلًا من الأوهام. والمشكلة ليست في هذا “الواشي” (لأنه عادة ما يكون كائنًا تعيسًا سينكشف سريعًا)، ولا في “الموشى به” (لأنه ربما مظلوم، وتم الغدر به)، لكن المشكلة تكمن في “الموشى إليه”، لأنه عادة، وعبر التاريخ، لم يتكبد عناء مواجهة “الواشي” بـ “الموشى به” لوأد الفتنة في مهدها، بل انساق إلى الأول ونسى حق الثاني، والمُحزن المُبكي أن الثاني عادة ما يكون أقرب بكثير له من الأول.
يعلمنا القرآن الكريم أنه “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهاله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”. ولكي يتغلب الواشي على الأمر فإنه يخفي وجه الفاسق خلف قناع الورع، لتستقر الكرة مرة أخرى في ملعب “الموشى إليه” الذي يتعامل مع الواشي على أنه المهدي المنتظر، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ويظن أنه موسى بينما هو فرعون بجنوده.
الوشاية تؤلم حين تكون بين الأصدقاء، وقد تسمى حينها خيانة، ويقول اليمني “أبو يعلى محمود الجمل” في مطلع قصيدة له: “زند الوشاية في الأخوة وار، يذكي الضغينة في القلوب بنار”.
والفرق بين الوشاية ونقل المعلومة هو كالفرق بين البلاغ الكاذب والبلاع الحقيقي، والأول تعاقب عليه قوانين معظم البلدان. وفي العالم كله تنتشر الوشايات في المؤسسات بين الزملاء، وهذه للأسف من الأمور التي يتفوق العالم العربي فيها عن الغربي. فمتى يتوقف “الواشي” عن سلوكيات المواشي؟! ومتى يُحسن “الموشى به” إدارة الأمور كي لا يحاول أحدهم اصطياده؟ ومتي يقرأ “الموشى إليه” درس التاريخ ليعرف أن العلاقات الراسخة بين الأخوة وبين الأحباء وبين الدول، خربها مجرد “واشي”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.