كريمة عبد النور تكتب | التمييز والحوار الوطني

0

بدأت الجلسات العلنية للحوار الوطني، والتي قد تقرر أن تكون بدايتها حول المحور السياسي للحوار. وتحت لجنة حقوق الانسان والحريات من المزمع مناقشة موضوع “القضاء على كافة أشكال التمييز”. تعُج مصر بتنوع ثقافي واجتماعي وجغرافي وعقائدي كبير، يجعل من مصر لوحة فسيفسائية جميلة. هذا التنوع يُضيف لها العديد من المزايا على جميع المستويات. ولكن يقف التمييز حائلًا أمام تعظيم الاستفادة من هذا التنوع، تلك الآفة المتوطنة التي تنخر في جسد المجتمع.
التمييز يُهدر كفاءات ومواهب من شأنها أن تُعلي راية الوطن، كما أنه يهدد التماسك والرضا المجتمعي ويخلق بيئة خصبة للأمراض الاجتماعية والنفسية، التمييز أيضاً في أحيان كثيرة يكون ظهير للفساد. إذا ما حصرنا الآثار المترتبة على التمييز والتكلفة المترتبة عليه، لأيقننا أننا أمام تهديد للأمن القومي.
رغم أن دساتير مصر نصت دومًا على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون وفي الحقوق والحريات والواجبات، إلا أنه يوجد قصور في مكافحة التمييز على مستوى المؤسسات -العامة أو الخاصة- وأيضاً على مستوى أفراد المجتمع. مصر موقعة على كل الاتفاقيات الأممية الخاصة بالقضاء على أشكال التمييز، بالتالي مصر ملزمة دولياً بالقضاء على أشكال التمييز دون التطرق للآلية المستخدمة لتحقيق ذلك.
فطن واضعو الدستور الحالي لتلك الآفة المقيتة وللحاجة الماسة لوجود آلية فعالة تُعنى بمكافحة التمييز وتنشر مبدأ المساواة. وبعد حوار مجتمعي وبحث في تجارب الدول توصلوا إلى أن انشاء مفوضية لمكافحة التمييز هي الصورة المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة. وعلى هذا نصت المادة 53 من الدستور المصري لسنة 2014 على “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.
مازلنا اليوم بعد تسع سنوات من إقرار الدستور نرى هذا الاستحقاق الدستوري بعيد المنال. خلال مجلس النواب 2015-2020 جرت عدة محاولات للتقدم بمشاريع قوانين من قبل نواب الشعب بإنشاء المفوضية، كل مشاريع القوانين المقدمة تم ارسالها للجان المختصة بمجلس النواب ومرت منها بموافقة مبدئية، لكن تم تجميدها جميعاً بسبب امتناع الحكومة عن تقديم مشروعها لتلك القوانين. في الانعقاد الحالي لمجلس النواب تم التقدم بمشروع قانون مرة أخرى لكن لا معلومات عن استكمال إجراءات خروج المشروع والمفوضية للنور.
أتمنى ان تسفر الجلسات النقاشية عن تقدم في هذا الموضوع بالغ الأهمية، وأن نرى قريبًا إنشاء مفوضية مستقلة تقوم بمراجعة القوانين لتلافي أي تمييز بها، تراقب وضع المساواة في المؤسسات وتستقبل شكاوى المواطنين وتحيلها للجهات المختصة بعد التحقيق فيها. وعلى المستوى المجتمعي ستقود المفوضية خطاب إعلاميًا وتعليمياً لتغيير المفاهيم والسلوكيات الخاطئة وتنشر الوعي بمبدأ المساواة وبالحقوق والواجبات وفقاً للقانون. بهذه الخطوات سنخلق مجتمعاً أكثر تماسكاً ورضا، وستبرز المزيد من الكفاءات التي تنهض بالوطن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.