د. كريم عادل يكتب | حوكمة الأحزاب … الرؤية والتطبيق

0

أثبت الحوار الوطني أنه بالفعل يستهدف خلق مساحات مشتركة يشارك فيها كافة الأطراف والقوى السياسية ، حيث امتدت المشاركة لتشمل مراكز البحوث والدراسات ممن تقدموا بمقترحات بعد دعوة السيد رئيس الجمهورية لذلك الحوار الوطني ، وما أكد على أن هناك دراسات حقيقية وجادة للمقترحات المقدمة هو أن يتم دعوتنا [ مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية ] ، كمركز دراسات وأبحاث لجلسة الأحزاب السياسية والتي تضمنت في محاورها المقترح المقدم منا بعنوان ( حوكمة الأحزاب السياسية ) .

فقد ناقشت لجنة الأحزاب السياسية بالمحور السياسي للحوار الوطني واحداً من أهم المحاور التي أصبحت تمثل ضرورة في الوقت الراهن ، وهو محور “حوكمة الأحزاب من خلال الرقابة المالية والإدارية عليها”، وتم عرض مجموعة مقترحات من المتحدثين خلال الجلسة المقررة لذلك ، مما يعكس ضرورة هذا الإجراء ووجود إجماع عليه لما له من تأثير في الحياة السياسية .

ولكن … إذا أردنا تكوين بنية سياسية قوية ومناخ ديمقراطي عادل وإذا أردنا تأثير حقيقي وفاعل للأحزاب السياسية ، وتطوير العمل الحزبي والأداء داخل الأحزاب، وتطبيق حقيقي للحوكمة فهناك مجموعة من الأسس والأدوات التي لابد من مراعاتها لنجاح التطبيق ، وأولها : أننا نتحدث عن كيانات سياسية وليست اقتصادية أو مالية أو تعليمية أو صحية أو رياضية …… ، ومن ثم فإن المفهوم المطلق والأسس والمبادئ المطلقة للحوكمة لا يمكن أن تكون بمفردها أساس التطبيق و أداة التنفيذ ، فنحن بحاجه إلى ” استراتيجية وطنية لحوكمة الأحزاب السياسية ” تتضمن وثيقة حوكمة متخصصة للأحزاب السياسية مشتملة على أسس العمل وآليات التطبيق ، مما يخلق مناخ عادل وأداء تنظيمي وإداري ومالي موحد ، حيث تتوحد نظم الرقابة والمساءلة ، إضافةً إلى وجود كيان مؤسسي معني بالمراجعة لبيان صحة التطبيق وتصحيح المسار .

فمن الخطأ تحميل الدولة أسباب تراجع الأحزاب السياسية وعدم فعالية غالبيتها، فتأسيساً على استطلاع رأي و دراسة تحليلية وميدانية قام بها المركز لمن هم منتسبين للأحزاب السياسية ومن هم لهم تجارب سابقة فيها ومن هم عازفين عن الإنضمام إليها ، جاء مقترحنا بحوكمة الأحزاب السياسية بعد أن توحدت أرائهم على أن غالبية الأحزاب من داخلها تعاني من هشاشة التنظيم وديكتاتورية القيادة ومشكلات مرتبطة بآلية اتخاذ القرار وتوزيع المناصب والأدوار، بدءاً من التأسيس إلى العمل وممارسة العمل السياسي ،بما ينعكس بدوره على المناخ السياسي العام داخل الدولة .

وفي هذا الإطار، ومن خلال إطلاق الدولة لاستراتيجية وطنية لحوكمة الأحزاب السياسية ، يتم من خلالها صياغة ووضع ملامح عامة لتطوير الأحزاب ، بغية أن تعود للتفاعل مع الجماهير ، بدلاً من غيابها الذى أصبح بمثابة سمة لغالبيتها ، ولكن يظل هذا مرهون بتغيير منظومة عملها بدايةً من القائمين على إدارتها، وتطبيق حقيقي للحوكمة المتخصصة في الكيانات السياسية.

وفى هذا الصدد من الأهمية وضع الأسس الضامنة للتداول السلمي للسلطة داخل الأحزاب ، وذلك كله عوضًا عن الوضع الحالى داخل بعض الأحزاب المتعلق باستبداد القيادات وسلطوية اتخاذ القرار والاعتماد على كوادر غير مؤهلة لصنع واتخاذ القرار ، وهو الأمر الذى يجب أن يجد صداه ليس فقط فى لوائح الأحزاب، ولكن – وهذا هو الأهم – فى التطبيق إذا ما اتسمت بعض تلك اللوائح بالديمقراطية.

ومن المفيد أيضاً فى ذات الإطار أن تتضمن تلك الاستراتيجية إعمال قواعد الديمقراطية الداخلية فيما يتعلق ليس فقط بديمقراطية اتخاذ القرار، بعيداً عن قواعد التراضي والتوافق السائدة ، بل وأيضاً انتخاب المستويات التنظيمية فى الأحزاب وتداول السلطة داخلها ، ووضع آليات واقعية لفض المنازعات الداخلية ، وذلك بعيداً عن قواعد التزكية أو التعيين المعمول بها فى أغلب الأحيان ، ولن يتحقق ذلك إلا بخضوع تلك الأحزاب لجهة متابعة ورقابة إدارية ومالية فاعلة كما هو الحال في منظمات المجتمع المدني.

كذلك من المهم أن تتضمن التأكيد على دورية عقد المستويات التنظيمية للحزب ، باعتبارها الضمانة الرئيسة للعملية الديمقراطية والتجنيد السياسى ، مما سيؤدى لتواجد كادر معطاء ومقاتل يسعى لمحاسبة القيادات الراهنة للأحزاب ، ويتم ذلك كله عبر تغيير اللوائح ديمقراطياً ، مما يهدف معه إلى دعم الثقة ومصداقية المواطن فى الأحزاب ، بدلاً من الوضع الراهن الذى يصبح فيه الاستقلال عن الأحزاب هو القاعدة والانضمام إليها هو الاستثناء .

إضافةً إلى ما تقدم، من المفيد للغاية إعمال قواعد الشفافية والرقابة الكاملة على جميع المستويات الحزبية التنظيمية ، لا سيما ما يتعلق بالمركز المالي للحزب.

وختاماً … لقد تلكأت بعض الأحزاب فى تطوير ذاتها، خاصةً بعد أن سعت إلى الترويج بأن الضغوط الخارجية التى تعمل فيها هى سبب محدودية الأداء ، ومع استمرار أغلبية الأحزاب ( وليس جميعها ) فى أدائها الضحل، ثبت على أرض الواقع أن حال الأحزاب نفسه هو السبب الرئيسي للعديد من مشكلاتها والتي ترتب عليه تفاقم المشكلات والتحديات التي تواجه الدولة المصرية بوجه عام والمنتسبين إليها من كوادر بوجه خاص .

لكل هذه الأمور فإن هناك استحالة فى أن تتطور الأحزاب إلا عبر الأساليب التى ثبت نجاحها فى البيئة التى نشأت فيها الأحزاب ، وهى أوروبا الغربية ، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة أن تكون تلك الأساليب والآليات تصلح فى التعامل مع الأحزاب داخل البيئة المصرية ، إضافةً بالطبع إلى ضرورة إصلاح بعض الأمور التى ترتبط ببيئة عملها من خارجها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.