عمرو البنا يكتب | إصلاح الرياضة في مصر

0

عندما نتحدث عن الوضع الرياضي في مصر يتبادر إلى الذهن سؤال مهم هل قانون الرياضه هو السبب الرئيسي في الأزمات التي تواجه الرياضه في مصر أم أن هناك عوامل أخرى تؤثر بشكل مباشرعلى الوضع الرياضي ؟
لا شك أن القانون يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم الرياضة لكنه ليس العامل الوحيد فهناك جوانب أخرى مثل الإدارة و التمويل ، الإعلام ، الجماهير، كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر و كبير في تشكيل المشهد الرياضي
فإن القوانين والتشريعات الرياضية تُعتبر الإطار الذي يحكم العلاقة بين الأندية و اللاعبين و الاتحادات والجماهير و في بعض الأحيان تكون القوانين قديمة ولا تواكب التطورات الحديثة مما يؤدي إلى أزمات تتطلب حلولًا قانونية سريعة ومرنه ورغم ذلك فإن المشكلة ليست في القانون ذاته فقط بل في كيفية تطبيقه ومدى التزام الجميع به فحتى لو كان القانون مثالي فإن سوء الإدارة قد يكون السبب الرئيسي في تراجع الرياضة مثل عدم التخطيط الجيد و غياب الشفافية وانتشار المحسوبية داخل المؤسسات الرياضية كلها عوامل تؤدي إلى قرارات تضر بالمصلحة العامة فالقوانين قد تضع الضوابط لكنها لن تمنع الأخطاء الإدارية إذا لم يكن هناك التزام حقيقي بالتنفيذ
ومما لا شك فيه أنه لا يمكن تحقيق تقدم رياضي دون وجود دعم مالي قوي سواء من الدولة أو القطاع الخاص فالأندية تعاني من أزمات مالية وينتج عن ذلك صعوبة في تطوير الفرق أو المنافسة على مستوى عالٍ وهنا يأتي دور القانون في تنظيم الاستثمار الرياضي وضمان الشفافية في الإنفاق بحيث تُستثمر الأموال في الاتجاه الصحيح ولا تُستخدم بطرق غير شرعيه
و الجماهير أيضا عنصر أساسي في أي رياضة لكن التعصب أو الشغب قد يسبب مشكلات قانونية تؤثر على سير المسابقات كما أن ضعف الثقافة الرياضية مثل عدم تقبل الهزيمة أو انتشار نظريات المؤامرة يزيد من حدة الأزمات فالقوانين يمكنه معاقبة التجاوزات لكنه لا يستطيع بمفرده تغيير الثقافة السائدة وهو ما يتطلب دورًا أكبر من الإعلام والمؤسسات الرياضية كما أن الإعلام الرياضي يمكن أن يكون أداة لتطوير الرياضة كما يمكن أن يكون سببًا في زيادة الأزمات عندما يركز الإعلام على الإثارة بدلاً من التحليل الموضوعي قد يؤدي ذلك إلى تصعيد الخلافات بين الأندية والجماهيروالانديه وبعضها مما يؤثر سلبًا على استقرار الرياضة ومن هنا يأتي أهمية وجود قانون ينظم الإعلام الرياضي ويضمن التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية المهنية
ومع تطور التكنولوجيا دخلت تقنيات جديدة مثل “حكم الفيديو المساعد” VAR إلى عالم كرة القدم لكن استخدامها لا يزال يثير الجدل بسبب عدم وضوح بعض القوانين المرتبطة بها هذا يؤكد أن القوانين يجب أن تواكب التطورات التقنية لضمان العدالة في المباريات وتقليل الأخطاء التحكيمية
حتى لو تم تعديل القانون فإن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى التزام بالتنفيذ وإدارة رياضية واعية واستثمارات مدروسة وإعلام مسؤول وثقافة جماهيرية ناضجة
فلا يمكن تحقيق نهضة رياضية حقيقية دون وجود استراتيجية واضحة تضمن تطوير جميع عناصر المنظومة الرياضية فإلى جانب القانون يجب التركيز على تحسين بيئة العمل داخل الأندية والاتحادات الرياضية وتعزيز دور الأكاديميات في اكتشاف المواهب بالإضافة إلى توفير بيئة تنافسية عادلة بين الفرق والرياضيين
فرغم أهمية الاستقلال الرياضي إلا أن الدولة لها دور كبير في دعمها من خلال توفير بنية تحتية متطورة وتشجيع الاستثمار الرياضي وضمان وجود قوانين تواكب التطورات العالمية فبعض الدول التي نجحت رياضيًا لم تكتفِ بوضع قوانين بل استثمرت في تطوير الملاعب وتأهيل المدربين ودعم الرياضات المختلفة مما انعكس على نتائجها عالمياً مثل
1- التجربة الألمانية في كرة القدم فبعد الإخفاق في يورو 2000 قامت ألمانيا بإصلاح شامل لمنظومة كرة القدم حيث:
فرض الاتحاد الألماني على جميع أندية الدرجة الأولى والثانية إنشاء أكاديميات لتطوير اللاعبين الشباب وتم تحسين البنية التحتية للملاعب والمرافق التدريبية وتم تعزيز التعليم الرياضي للمدربين وإعدادهم بمناهج متطورة ونتج عن ذلك حصلت المانيا علي كأس العالم 2014 كنتيجة مباشرة لهذه الإصلاحات.
2- التجربة الإنجليزية البريميرليج كنموذج اقتصادي ناجح ففي أوائل التسعينيات كان الدوري الإنجليزي يعاني ماليًا وتنظيميًا في 1992 تم إنشاء الدوري الإنجليزي الممتاز (Premier League) كنظام مستقل وتم التركيز على تحسين حقوق البث التلفزيوني وزيادة عائدات الأندية وتطوير بيئة الملاعب وزيادة الأمان للجماهير واستقطاب أفضل اللاعبين والمدربين عالميًا ونتج عن ذلك أصبح البريميرليج أقوى وأغنى دوري في العالم.
3- التجربة اليابانية في الرياضة المدرسية والاحترافية ركزت اليابان على التعليم الرياضي حيث يتم دمج الرياضة في المناهج الدراسية وتطوير الأكاديميات وتم تطوير دوري المحترفين J-League بمنهجية تجمع بين الاستثمار الأجنبي والمحلي مع تشجيع تطوير المواهب الشابة ونتج عن ذلك وصول اليابان إلى نهائيات كأس العالم بشكل منتظم منذ 1998 وتحقيقهم نجاحات في الألعاب الأولمبية.
– التجربة الأمريكية في الإدارة الرياضية NFL وNBA وMLS
فالرياضة في أمريكا تدار بأسلوب تجاري ناجح حيث يتم التركيز على أنظمة الـ”درافت” التي تضمن توزيع المواهب بشكل عادل بين الأندية وتحديد سقف الرواتب لمنع الأندية الغنية من احتكار اللاعبين والتسويق الذكي والاستثمار في البنية التحتية والملاعب الحديثة هذا النموذج جعل الدوري الأمريكي لكرة القدم MLS ينمو بسرعة وجعل NBA وNFL من أكثر الدوريات ربحية في العالم

فالرياضة ليست مجرد منافسات بل هي جزء من ثقافة المجتمع لهذا يجب أن يكون هناك وعي بأهمية دعم المواهب الشابة وتعزيز قيم الروح الرياضية ونبذ التعصب كما أن المؤسسات التعليمية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في نشر الثقافة الرياضية من خلال تطوير الأنشطة الرياضية داخل المدارس و الجامعات
وهناك تجارب دولية ناجحة في إصلاح الرياضة حيث قامت بعض الدول بتطوير قوانينها الرياضية مع تحسين الإدارة وزيادة الاستثمار في البنية التحتية وتشجيع البحث العلمي في المجال الرياضي هذه الدول لم تركز فقط على تعديل القوانين بل اتبعت نهجًا شاملًا يضمن استدامة النجاح الرياضي

خلاصه القول بأنه
لا يمكن إنكار دور القوانين في تنظيم الرياضة لكنه ليس العامل الوحيد في النجاح أو الفشل فالحل لا يكمن فقط في تغيير القوانين بل في تطبيقه بعدالة وتطوير الإدارة الرياضية وتحسين الثقافة الرياضية وضمان استثمارات ذكية فالرياضة نظام متكامل وإذا أردنا إصلاحه فعلينا العمل على جميع الجوانب لضمان رياضة تنافسية عادلة ومستدامة فالرياضة ليست مجرد لعبة بل هي صناعة تحتاج إلى تخطيط وإدارة واعية لضمان النجاح على المدى الطويل وليس الاكتفاء بإصلاح القوانين فقط .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.