عمرو البنا يكتب | الانتخابات والعقد الاجتماعي

0

في كل المجتمعات الديمقراطية الحقيقية تشكل الانتخابات لحظة فارقة تعكس إرادة الناس‌
وتحدد شكل السياسات العامة وطبيعة التشريعات التي تحكم حياتهم اليومية وفي عام‌
الانتخابات تصبح المسؤولية أكبر والمشاركة أكثر أهمية لأن الصناديق هي التي ترسم ملامح‌
المجالس التشريعية وهي التي تفرز من يمثل الشعب ويتحدث باسمه ويشرع له لكن قوة هذه‌
اللحظة لا تأتي من تلقاء نفسها وإنما من وعي الناس وإدراكهم بأن صوتهم هو أداتهم الأساسية‌
في التغيير وأن المشاركة ليست فقط حقا دستوريا بل واجب وطني وأخلاقي كل من يتخلى عن‌
صوته يترك المجال لغيره ليقرر مصيره نيابة عنه وهنا يلعب الوعي دوراً محورياً لأن‌
المجالس التشريعية لا تفرز فقط من خلال البرامج الانتخابية أو الشعارات الرنانة وإنما من‌
خلال فهم الناس لطبيعة هذه المجالس ووظيفتها والفرق بين نائب الخدمات ونائب التشريع‌
وبين من يملك الإرادة والكفاءة ومن يتعامل مع المقعد كغنيمة أو وجاهة اجتماعية.
الوعي السياسي لا يعني التعقيد أو التنظير وإنما يعني ببساطة أن يعرف المواطن لماذا يشارك‌
ولمن يمنح صوته وما أثر ذلك على مستقبله ومستقبل أولاده وأن يسأل نفسه ماذا قدم هذا‌
المرشح من قبل وماذا ينوي أن يقدم مستقبلا وكيف يعبر عني وعن قضاياي وهمومي وما هى‌
الصلاحيات التي يحتاجها لذلك .
وأهمية مشاركة كل الفئات والقطاعات لا تقل عن أهمية الوعي لأن غياب أي فئة يجعل‌
المجلس التشريعي غير مكتمل التمثيل ويضعف شرعيته فلا يصح أن تقتصر المشاركة على‌
النخب أو فئة عمرية معينة أو طبقة اجتماعية بعينها لأن التنوع في التمثيل هو الضمانة الأولى‌
لعدالة السياسات وشمولية التشريعات فيجب أن يشارك الفلاح والعامل والطبيب والمعلم‌
والطالب والمرأة وذوي الإعاقة ورجال الأعمال وأصحاب الحرف وكل مواطن يشعر أن له‌
مكانا في هذا الوطن لأن المجلس النيابي هو صورة مصغرة للمجتمع وكلما كانت هذه الصورة‌
مكتملة كلما كانت قراراته أكثر عدلا وتوازنا
أما ثقافة الانتخاب فهي مسألة لا تقل أهمية عن المشاركة والوعي لأنها تحدد شكل العملية‌
الانتخابية نفسها وتؤثر في سلوك المرشحين والناخبين على السواء فنحن بحاجة إلى ثقافة‌
انتخاب مبنية على احترام الآخر وعلى التنافس الشريف وعلى محاسبة من ينتخب لا من لا‌
ينتخب وعلى نقاش عام عقلاني وليس صراخا أو تخوين
وثقافة الانتخاب تعني أن تكون هناك برامج حقيقية لا وعود وهمية وأن يتم اختيار المرشحين‌
على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرة لا على أساس العصبيات أو العلاقات أو المصالح الضيقة‌
كما تعني احترام نتيجة الصندوق والقبول بإرادة الأغلبية طالما جاءت عبر إجراءات نزيهة‌
وشفافة

فعام الانتخابات هو اختبار حقيقي لكل مواطن وللدولة وللقوى السياسية وللمجتمع المدني وهو‌
فرصة لتجديد العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وبين المواطن والدولة وهو مناسبة‌
لنراجع أنفسنا هل نريد إصلاحا حقيقيا أم مجرد مشهد ديمقراطي شكلي .

وفي النهاية المشاركة تصنع الفارق والوعي يحدد الاتجاه والثقافة تضبط الإيقاع وكلما‌
اجتمعت هذه العناصر الثلاثة كلما اقتربنا من نموذج ديمقراطي حقيقي يمثل الناس بحق ويخدم‌
مصالحهم ويجعل من صوت كل مواطن قيمة لا يمكن تجاهلها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.