إبراهيم الشهابي يكتب | ماذا بعد خروج كل المحبوسين ؟!!

0

الفارق بين صاحب القضية ومن يتاجر بها .. هو كالفارق بين الطبيب والحانوتي “متعهد الدفن” .. الطبيب يحاول أن ينقذ المريض في صمت .. أما الحانوتى ينتظر موت المريض ليرفعه على الاكتاف صارخًا “وحدوه” تمهيدا لدفنه .. وقبض ثمن الدفن .. وهذا هو الفارق بين منطق السياسي والحقوقي .. هذا التوصيف بالطبع لا ينسحب على كل الحقوقيين ولا ينطبق على كل السياسيين .. فهناك حقوقيين متميزين وأصحاب قضايا موضوعية وهادفة .
الحديث هنا عن منظمات الاحتجاج السياسي وأبناءها الذين تم برمجتهم على منطق التصعيد والمبالغة والتثوير والاستفزاز وصولاً إلى نقطه التظاهر والاعتصام، وكي يتحقق هذا الهدف يجب أن يغيب المنطق والموضوعية، إذ يجب إشعال الحماس وترديد الشعارات واطلاق الأحكام !! .
ان هدف المنظمات الحقوقية ” الاحتجاجية” يتعارض ويتناقض مع النقاش الهادئ أو مناقشه جوهر القضايا، لأن هذا النقاش سيؤدى إلى طريق العمل السياسي الذى يقود بطبيعة الحال الى إيجاد حلول تقنية وعلمية وخطط لتنفيذ البرامج والاهداف، وهوا ما يتعارض جملة وتفصيلاً مع الاحتجاج كهدف في حد ذاته .
لماذا نقول أن هدف منظمات الاحتجاج المدني هو التظاهر والتصعيد فقط؟، الإجابة لأنهم يفتقدون لأجندة تطوير أو تحديث، ويفتقرون للرؤية العامة التي تعطيهم تقدير موقف حقيقي للقضايا الكبرى، وفى أفضل الأحوال يسعون الى خلق مشكلة أو أزمة محاولين من خلالها فرض إرادتهم حتى لو كانوا أقلية لا وزن لها نسبياً بميزان القوة السياسية أو الاجتماعية.
السؤال هنا في ظل أجواء الحوار الوطني الذي يستهدف مناقشة أولويات العمل الوطني خلال الجمهورية الجديدة .. هل لديكم شيئاً تقدموه غير قوائم العفو وإنتظار احتجاج أو ثورة أو صناعة اعتصام حول قضية ما؟ .. وهل يصلح منهجكم واساليبكم لأن تكون ضمن أي نظام سياسي؟ .. هل تصلح أدوات الاحتجاج لممارسة العمل السياسي وبناء نظام سياسي فعال أم ان اختصاصكم فقط هو الاحتجاج فقط؟.
المشكلة في فهم أبناء مدرسة الاحتجاج السياسي والمتطرفين والمتاجرين بالمواقف، هو أنهم دائماً متطلعون للجلوس على كرسي التفاوض وهم في هذا الإطار يرفعون سقف المطالب ويضغطون حتى على المعتدلين من أبناء تيارهم، انطلاقاً من تقديرات موقف غير متزنة وغير واقعية على الاطلاق، فينطلقون من فرضيات وهمية على أن الحوار الوطنى هو لقاء أزمة .. ويفترضون أن هذا يتطلب اتخاذ شكل مفاوضات الحرب بعدد من المعارضة يماثل عدد ممثلي السلطة، وغيرها من الطلبات السياسية المراهقة، والسؤال مجددا .. إذا كانت هناك أزمة فعلاً .. فلماذا الجلوس مع طرف لا يمثل قوة أو تمثيل أجتماعي لمواجهة الأزمة؟ .. الأفضل عملياً هو الجلوس مع أطراف يكون لها القدرة على الفعل للخروج من المشكلة الافتراضية المتوهمة.
سينتهى مؤتمر المناخ .. ولم يحدث شيئ في 11 نوفمبر 2022 .. وخرج المحبوسين كلهم – هذا ما أتمناه شخصيا بإستثناء الإرهابيين والداعين للعنف والفاشيين وأصحاب نظريات الهدم والفوضى – السؤال هنا .. هل لديكم شيئ آخر ؟ .. الحقيقة أنه حتى الأن لم يظهر شيئ يتم البناء عليه .
أن مصر تتجه لبناء نظام ديمقراطي .. مبني على التخصص والعلم والكفاءة والقدرة على خلق الحلول .. نظام سياسي مبني على الرأي والرأى الآخر .. والحقيقة إن مشكلة السياسة في مصر ليس في مساحة المجال العام المتاحة، وأنما في شكل الممارسة السياسية، فإذا كانت الممارسة السياسية ذكية وفاهمة وعلمية وتقنية تصنع وتخلق مساحتها بنفسها .
المشكلة في أنعدام القدرة على تشكيل وبناء الرأي السياسي ذو الرؤية الاستراتيجية الكاملة .. وأزمتنا فى لهجة الخطاب السياسي ومنطق الحركة السياسية .. والحقيقة أن بناء الرأي السياسي في أغلب الأحزاب كان محاصراً دوماً من المتطرفين والمتاجرين والنوعين من أبناء مدارس الاحتجاج السياسي.
لقد تجاوزكم الزمن .. وانتم في الطريق للخروج من التاريخ بقسوة .

– إبراهيم الشهابي عضو مجلس أمناء تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.