حسين موسى البناء يكتب | الديمقراطية الفاسدة

0 146

كثيرون هم المؤمنون بقيم الحرية على اختلاف أشكالها، بدءًا بالحرية السياسية والمشاركة ضمن مفهوم الديمقراطية، مرورًا بالحرية الاقتصادية كنيوليبرالية اليوم، وليس انتهاءً بالحرية الدينية والفكرية وغيرها من امتدادات هذا المفهوم الجذاب والمثالي أحيانًا.
جاءت الديمقراطية نتاج قرون مظلمة من التسلط والقمع واحتكار السلطة والنفوذ والموارد بيد نخبة ضئيلة تقليدية في المجتمعات، لكن الملفت هو أن الحرية السياسية كلصيق للحرية الاقتصادية قد تحمل في طياتها مخادعة عميقة؛ حيث أن الديمقراطية تنشر السلطة والنفوذ والقوة على عموم الناس بدون احتكار، ولكنها تحتكر الثروة في يد نخبة ضئيلة من المجتمع، وكأن عموم الناس يتمتعون بجانب ويفقدون جانبًا آخر! وهنا تتجلى بداية النقد لتطبيقات مفهوم الحرية ابتداءً.
لم تكن الديمقراطية يومًا مثالية، والثابت أكثر هو أن الدكتاتورية هي الخيار الأسوأ عمومًا؛ فالديمقراطية تحمل آليات تصحيح ذاتي وتعلم تراكمي للشعوب تجعل منها نموذجًا جذابًا لإدارة الحياة، أما الدكتاتورية فإنها قرينة القهر والظلم والتعسف والتهميش والاحتكار.
الديمقراطية الاشتراكية هي أكثر النماذج من حيث الاتساق الذاتي؛ ففيها يتم نشر وتعميم السلطة والقوة على الشعوب بنفس مقدار تعميم ونشر الثروة. وهذا الشرط لا يتوافر في الديمقراطية النيوليبرالية ولا في أي نظام آخر دكتاتوري أكان رأسماليًا أو اشتراكيًا.
النظام الديمقراطي يحتمل الفساد، وهناك من تجارب التاريخ والأمم ما يؤكد ذلك؛ فالحزب النازي فاز بالانتخابات الديمقراطية في ألمانيا، والرئيس الأمريكي الشعبوي دونالد ترمب هو إفراز للديمقراطية، وجيورجيا ميلوني ذات الميول الفاشستية هي إفراز للديمقراطية، والسلطة في العراق ولبنان وإيران واليمن هي كذلك إفراز للديمقراطية، وهذه كلها صور واضحة تثبت بأن ثمة صيغة فاسدة للديمقراطية، بذات الوقت الذي تحقق فيه الصين كدولة مركزية سلطوية أكبر صور الازدهار الاقتصادي والتنمية وإدارة الموارد وضبط الأمور كما شوهد في جائحة كورونا الأخيرة كمثال.
ثمة جملة شروط موضوعية لصلاحية النظام الديمقراطي للأمم، وبدون توافر هذه الشروط فإن ديمقراطية مشوهة هي النتاج الطبيعي والمتوقع، من هذه الشروط والتي تختص بدول العالم النامي تحديدًا هو وجود هامش تقدم اجتماعي واقتصادي يتمثل بتعليم واسع ودخل فرد مقبول، بحيث يجعل ذلك الأمر صعبًا على المتاجرين بقوت الناس وجهلهم من القفز على السلطة كرجال الأعمال مثلًا. مضافًا لذلك تحرر الناس من هيمنة ثقافة وعقلية الطائفة الدينية وعصبة دم القبيلة، بحيث يجعل ذلك الأمر صعبًا على زعماء القبائل وقادة الطوائف من تسويق قيم تناقض مفهوم المواطنة والمساواة.
الشعوب التي ينتشر فيها الفقر والجهل والأمية والطائفية والقَبَلية هي المرشحة أكثر من سواها لبناء هيكل ديمقراطي هش وفاسد لن يحقق التنمية ولا الكرامة للإنسان، والشواهد تملأ الدنيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.