د. صديقة لاشين تكتب | الجمهور (مش) عايز كدة!!!

0

ليس خافيًا عن المسرحيين إن جمهور المسرح له خصوصية فريدة تميزه عن جمهور السنيما، والتليفزيون، والإذاعة. فالتفاعل الحي والمباشر هو ما يميز جمهور المسرح عن غيره. لذا فهو عنصر أساسي لاكتمال العرض المسرحي، وشرط أساسي لتحقق وجوده. وهذا ثابت من عرض لآخر. وما يختلف هو الظروف الداخلية -المتعلقة بثقافة كل منهما، وتاريخه، وظروفه الاجتماعية …إلخ، والخارجية المتمثلة في دور المجتمع الخارجي بظروفه -لكل منهما. وهذا ما يؤثر بالضرورة على العلاقة الجدلية بين نوعية العرض المسرحي المقدم، والمجتمع فكلاهما نتاجا للأخر يؤثر فيه ويتأثر به. فالظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها المجتمعات تتحكم في نوعية العروض المسرحية.

في مسرحنا العربي، أو المصري بصفة خاصة لم يكتب له النجاح والتطور الذي شهده المسرح في الغرب، فلقد حل محل المفاهيم الجمالية والأدبية بعض مصطلحات مثل “شباك التذاكر”، و”الجمهور عايز كدة” دون النظر إلى دور المسرح في المجتمع. فبعد ازدهار المسرح في حقبة الستينيات تلك الحقبة التي تعتبر علامة فارقة في تاريخ المسرح المصري حيث شيدت المسارح برؤوس الأموال العامة، واعتبر المسرح انعكاسا للواقع السياسي المعيش، كان جمهور المسرح أكثر وعيا، وثقافة مما استدعي ذلك كثافة حضور منهم لأنهم وجدوا ما يعبر عن تلك الأفكار التي تجيش في عقولهم. ولكن لم تدم تلك الفترة طويلا حيث ابتعد المسرح عن طرح الأفكار الجادة بدعوة لما أطلق عليه الانفتاح. حيث ظهرت مفاهيم أخري وسادت حالات التحول الفكرية، والثقافية، نتج عنها تحولات اقتصادية للمجتمع المصري هيمنت فيها الممارسات الرأسمالية، وانتفت المنافسة الشريفة، الأمر الذي أدي إلي تفشي ظاهرة الفقر الفاحش وكذلك الثراء الفاحش، مما استتبع ذلك اضمحلال للطبقة الوسطي (بمفاهيمها الفكرية الوسطية). فمن هذه المفاهيم الجديدة (مفهومي اللذة والمتعة) تلك التي راح ينشدها الإنسان في هذا المجتمع المتدني (فكريا)، المفاهيم التي تداعب غرائزه وتبقيه في حالة من حالات الانفصال عن الواقع، هذا الواقع الذي لا يحقق له المتعة، دون الولوج -من قبل القائمين على المسرح-إلي دراسة الأثر النفسي علي المتفرج. ساهمت تلك الدعوة في تسطيح العقل المصري وتبلده. وظهر في تلك الحقبة مصطلح شباك التذاكر، وأصبح عدد التذاكر المباعة هو معيار فشل ونجاح

العرض المسرحي دون النظر إلى القيمة الفنية التي يقدمها العرض المسرحي. ومع ازدهار المسرح التجاري وتبلوره أصبح “الهراء يصم الآذان!!!” بدعوي الجمهور عايز كدة!!! هذه الظاهرة مازالت مستمرة ولكنها قد تأخذ في الخفوت تدريجيا مع ظهور المؤسسات الجادة وبعض الفرق المستقلة تلك التي أخذت على عاتقها إحياء تقاليد المسرح الحقيقية، واستقطاب فئات أخري من الجمهور الواعي، وطرح مفاهيم مسرحية جادة انطلاقا من عدم الاهتمام بـ “شباك التذاكر، و”الجمهور مش عايز كده”. يتبقى لدي القائمين علي المسرح البحث عن استراتيجيات تعمل علي جذب الجماهير، وتثقيفها، وبناء وعيها ومن ثم عودتها مرة أخري لصالات العروض المسرحية. وبهذا يصبح المسرح أداة تعبير عن متغيرات المجتمع المعاصر هذا من جهة، ومن جهة أخري فإن المجتمع هو الذي يشكل العمل الفني ويحدد قيمته.

* أستاذ التمثيل، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.