رامي جلال يكتب | أحمد زيدان .. زينة الشباب

0 517

فى مفاجأة تصل إلى حد الصدمة، يختتم الكاتب الروسى الأشهر «أنطون تشيكوف» قصته (موت موظف) بوصف مصير بطله بعبارة مكثفة تقول: (استلقى على الأريكة دون أن يخلع حُلته.. ومات). أمر مفجع أنهى حياة البطل ومعها قصته القصيرة.

بعد أن ارتفعت آمالنا فى شفاء الجسد، فارقته فجأة روح سكنته فى رحلة قصيرة لثلاثة عقود ونصف، وغادر عالمنا فى غمضة عين النائب «أحمد زيدان»، دون مقدمات، وفى تجسيد لمقولة «هكذا تقوم الساعة».
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، مات أحمد زيدان! هكذا قرأت وقتها، أقنعنى عقلى فى ثوان أنها إشاعة سمجة أخرى لوفاة أحد المشاهير وذوى الحيثية. لكن تطبيق «واتساب» لم يتركنى أهنأ كثيرًا فى عالمى الموازى المُريح، كان قاسيًا وأكد لى الخبر بإلحاح غريب عبر سيل من رسائل الزملاء، للأسف لا يمكن أن يردد كل هؤلاء شائعة فى اللحظة ذاتها.
من الصعب وصف الألم بالكلمات، ليس لقسوته الشديدة، ولكن لأن ما حدث مختلف، توقف الزمن فعلاً. خلفية تخصصى فى الفيزياء، قبل دراسة الآداب، تجعلنى منفتحاً للغاية على النظرية النسبية لأينشتاين، وأفهم جيداً ألاعيب الزمن من تقديم وتأخير وثبات، لكن هذه المرة مختلفة، أنا داخل التجربة.
انقطعت الأصوات من حولى، ففهمت ما يحدث؛ ضغط دمى يقوم بأحد فصوله السخيفة ويستقل المصعد مسرعاً إلى أعلى أدوار ناطحة سحاب رأسى، أعرف هذه الحالة، نُقلت بسببها أكثر من مرة إلى طوارئ المستشفيات. استسلمت إلى سريرى، ماذا يمكن أن يحدث أسوأ! مات زيدان، فليكن ما يكون.
بدأت عينىّ فى التجاوب مع الحدث، دموع الرحيل دون وداع، أعرفها جيداً، فى الحقيقة أنا خبير فيها. تموه سقف الغرفة بسبب الدموع، وتموج بفعل الضغط، فيما كان عقلى يبحث عن آخر ما فكر فيه زيدان قبل أن يرحل؛ هل تساءل عن رد فعل من حوله وتقديرهم له؟ أم فى أسرته الصغيرة؟ أعتقد أن نفسه اقتنعت أنها لو كانت النهاية فسينام أبدياً بضمير مستريح. زيدان فعل كل شىء يُجسد كلمة «جدعنة» بالمفهوم المصرى، والتى يحدثوننا عنها دوماً باعتبارها من مخلفات «الزمن الجميل»، وأن مكانها المتحف، بينما زيدان، ابن جيلنا، كان «جدعنة» متجسدة فى إنسان.
كان أحمد زيدان «ابن موت»، ينجح سريعًا ويُنهى مشاويره بشكل خاطف، شهاب يمر فى سمائنا، ينير بشدة، يبهرنا ويرحل؛ أصغر رئيس اتحاد طلاب فى مصر، ثم أصغر نائب فى البرلمان السابق. وكأنه قد أخذ قراره الحاسم بأن يكون ضيفاً خفيفاً كعادته، لم يثقل علينا، أعطانا المثل والقدوة وانتقل إلى عالم آخر مسالم يليق بروحه الطيبة.
صعب هو شعور أن ينقص عدد أحبابك فجأة فيما تسيرون معاً متابعين تحقق ما حلمتم به، يعم صمت مزعج. غادر أحدنا وسنكمل دونه، ليبدأ عد تنازلى حزين ينتهى بتجمعنا مكتملين مرة أخرى، تاركين الدموع لجيل جديد نأمل أن ننقل له ما يعاونهم على التطور والنجاح، كما اعتاد زيدان أن يفعل.. سلامًا لزيدان .. زينة الشباب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.