رضا سليمان يكتب | الجمهور الحائر بين الوسائل التقليدية المستحدثة

0 229

فى هذا الزمن القَلِقْ، المُضطرِب، المتغير باستمرار، يجب أن نتطور ونتغير، بل ونسارع بالتغيير قبل أن تمر قاطرة التغيير والتطور وتدهسنا بعجلاتها القوية، وفى ظل هذه التغيرات ظهرت وسائل و وسائط غير القديمة المتعارف عليها، وسائل نقل المعلومة والخبر. أذكر قبيل انتشار القنوات الفضائية، ولم يكن هناك غير الراديو والقناة الأولى والثانية فى التلفزيون، كنتُ أشاهد من يحمل معه “الراديو” لمتابعة أخبار العالم، ومع نهاية اليوم ينتظر نشرة التاسعة مساءً ليتعرف على كل ما هو جديد فى مصر والعالم، وفى الصباح نُسارع إلى باعة الصحف لشراء الصحيفة المفضلة لمعرفة ماذا حدث فى اليوم الماضي، بل وفى الليلة المنصرمة وكأن الصحيفة هبطت بالأخبار من السماء..!! والمتأمل يجد أن “الخبر والمقال والتحقيق” حينها، واليوم أيضًا، لم يصل إلى المُتلقي إلا بعد مروره بعدة عمليات، عمليات تخدم صالح صاحب المعلومة ومصدرها، والدارس والمتأمل يستشعر وجود كثير من الأهداف والأفكار بداخل الموضوعات والأخبار المُذاعة أو المرئية أو المقروءة.
وقديما .. ليس فى عمق التاريخ وإنما منذ عدة سنوات .. كانت وسائل الإعلام (إذاعة . تلفزيون . صحافة ) هى الوسائل المتاحة لتوصيل كافة المعلومات من مناطق صناعة القرار إلى المتلقي، وكان من بين هذه الوسائل قنوات رسمية معتمدة (البرنامج العام فى الإذاعة المصرية، القناة الأولى فى التلفزيون، الأهرام والأخبار والجمهورية فى الصحافة) وبالطبع بعض المحطات والقنوات والصحف المتفرعة عن الأصول السابقة، وكانت توجد قنوات اتصال بين هذه الوسائل وبين مناطق “صناعة القرار”، ومن خلال بث هذه الموضوعات وكونها حصرية على هذه القنوات (المعتمدة رسميا) كانت تكتسب مصداقيتها، ومن ثَمَّ جماهيريتها، وبالتالي ارتفاع نسبة الاستماع، والمشاهدة، والقراءة .. فتأتى الإعلانات ويرتفع التمويل ليعوض المصروفات على البرامج والموضوعات القومية التى لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي.
تطورت الوسائل وظهرت نوافذ التواصل الاجتماعي التى جعلت المواطن شريك إيجابي بعد أن كان مجرد متلقى، اليوم ظهر مصطلح “المواطن الصحفي” المواطن المتفاعل صاحب الرأي الذي يبث الخبر لحظة حدوثه فى أى مكان فى العالم ليصل إلى كافة سكان الأرض عبر لمسة اصبع على هاتفه المحمول. هذه متغيرات يجب أن توضع فى الاعتبار، توضع أمام أى مسؤول أو قائم على وسيلة تواصل مع الجمهور.
وسائل التواصل الاجتماعي سهلت من وصول المعلومة إلى المتلقي لحظة حدوثها، وأيضا فى المقابل فتحت له الباب كى يُصدِر هو المعلومة التى يمتلكها فى أى وقت، حتى وصل الأمر ببعضهم، بحثا عن شهرة أو رغبة فى إثارة وبلبلة، أن يبث أخبار مغلوطة ويروج الشائعات بقصد أو بدون قصد، وهو الأمر الذى جعل الجهات المسؤولة تبحث عن وسائل تُسارع فى بث الأخبار لمنع الشائعات المنتشرة، وأيضا وسائل تَبث عليها صحيح المعلومات للرد على أى شائعة بدأت فى الانتشار، وأسهل وأسرع هذه الوسائل هى المنصات الاجتماعية (فيس بوك . تويتر . انستجرام ) وهذا ما جعل الجهات “صانعة القرار” تدشن لنفسها، كل على حدة، صفحة خاصة بها، تبث من خلالها كل أخبارها وكل ما يتصل بعملها من معلومات تهم الجماهير.. وهنا تحدث الأزمة بالنسبة للوسائل الكبرى، الوسائل الشعبية الأولى ( الإذاعة . التلفزيون . الصحافة) فبعد أن كانت تنفرد بنشر أخبار ومعلومات صُناع القرار، أصبحت هذه الوسائل التقليدية تتلقف الأخبار عبر وسائل التواصل مثلها فى ذلك مثل أى مواطن ينام على سريره أو فى المواصلات ويتابع كل شئ لحظة بلحظة. هنا أيضا تهرول الإعلانات تاركة الوسائل الأولى لتبحث عن الوسائل الحديثة وتصب فى جيبها (إلى خارج البلاد). بهذا وضعنا تفاصيل الأزمة التى يعاني منها المتلقي ويحتار بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة، فما هو الحل إذن؟!
أعتقد أنه على هذه الوسائل التقليدية استحداث مادة إعلامية جاذبة للجماهير مع التمسك بما تنفرد به كل وسيلة من “دراما. تراث . إعلام التنمية والانتماء والأمن القومي” وغيرها من مواد غير ربحية فى الأصل ولكنها كانت وما تزال جاذبة، ويقع على عاتق الدولة تمويل مثل هذه المواد غير الربحية لكنها ضرورية للحفاظ على الهوية وعلى الأمن القومي. وثانيًا بث الخبر والمعلومة من الهيئة الحكومية عبر وسيلة حكومية هو واجب قومي وتفاعل وتداخل مطلوب، وسائل الإعلام القومية ليست وسائل ربحية خاصة، ولن تستطيع العمل بمنأى عن الجهات الرسمية صانعة القرار، وهذه الهيئات صانعة القرار لا يجب أن تسارع خلف الوسائل المستحدثة تاركة الوسائل التقليدية تعاني، لأن مجرد اختصاصها بالأخبار والمعلومات الرسمية يُعد ميزة تضعها في المقدمة. لا ألوم الجهات المسؤولة على استعمال الوسائل المتطورة للتواصل مع الجماهير، لكن أشير فقط إلى ضرورة التوازن بين مواكبة الجديد والتعامل مع القديم، لأنه بالقديم والجديد تتوازن الأمور وإن طغت إحداهما على الأخرى اختل الأمر وكانت النتائج غير مرضية.
وكيفية التوازن أو التوافق بين الوسائل التقليدية والمستحدثة أمر يعرفه أهل كل مجال، فلا ضرر مثلًا أن يكون البث الحصري لكل فاعليات وأخبار الجهات الرسمية موقوف على الوسائل الإعلامية الرسمية، ثم بعد قليل يتم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لبث نفس الأخبار والفاعليات، مجرد دقائق فاصلة تحفظ لوسائل الدولة قيمتها. فى النهاية نهدف إلى أن يحدث توازن كي لا تجد الجماهير نفسها حائرة بين وسائل تقليدية لم تعد تجد المصدر المتفاعل وبين وسائل مستحدثة هى أرض خصبة للشائعات والإثارة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.