سعيد مضيه يكتب | تفجيرات 11 سبتمبر .. تدشين القرن الأميركي (٣ – ٦)

0 527

مباشرة بعد تفجيرات 11 أيلول تحركت الميديا الأميركية توجه التهم الإرهابية لجهة القصد المستهدفة بالعدوان. في اليوم التالي للتفجيرات ارتفعت أسهم الصناعات الحربية، مزيد من الدماء ستسيل ، وهذا شيئ عظيم بالنسبة للبيزنيس، كما يقول صحفي التقصي البريطاني، جون بيلغر. تملك الولايات المتحدة أعظم طاقة إعلامية في العالم، ومن بين أعظم ستة احتكارات ميديا في العالم تعمل خمسة داخل الولايات المتحدة. لم تنتظر نتائج التحقيق، سارعت الإدارة الأميركية لاتهام القاعدة بانها تقف خلف الحادث دون تقديم ولو دليل واحد، ووسط شكوك بصدد مقدرة القاعدة على القيام بعملية معقدة من هذا القبيل. اتهمت فضائية سي إن إن القاعدة بتدبير التفجيراتيدرك إلاعلاميون ان الانطباع الأول يترك تأثيره على المتلقي بحيث تبدو الطروحات المغايرة او النقيض تشويهات متعمدة. كالعادة لم يكن الإعلام الأميركي نزيها لدى مقاربة الحادث ؛ اتبع توجهات الإدارة الأميركية؛ تجاهل كل بينة تنقل الاتهام الى جهة أخرى. هذا مع العلم أن صحيفة واشنطون بوست نشرت قبل يوم من التفجيرات(10/9/2001) ، خبرا يشكك في أخلاق المخابرات الإسرائيلية . ففي دراسة أجراها الجيش الأميركي بعد أن فكرت دوائر التخطيط الأميركية تنفيذ خيار حل الدولتين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ، بموجبه ترابط قوات اميركية داخل إسرائيل والدولة الفلسطينية. هدفت الدراسة التنبؤ بما سيحدث في السنة الأولى من تطبيق اتفاق السلام والأخطار المحتملة على القوات الأميركية المرابطة لدى الجانبين. ورد في مقتطف من الدراسة نشرته الصحيفة أن الموساد “داهية عديم الشفقة ، لديه القابلية لاستهداف القوات الأميركية، بحيث تبدو موجهة من العرب” .

أثناء التفجيرات لفت الانتباه حمسة شبان شوهدوا وهم يرقصون ويصورون سقوط البرجين؛ في تحقيق أجراه الصحفي كريستوفر كينشام ونشرته مجلة كاونتر بانش، كشف عن الوقائع التالية: تحرك الراقصون من موقعهم في سيارة، أوقفت السيارة، وأجبر راكبوها على النزول ، وكانوا خمسة ، قيدت أيديهم وأجلسوا على العشب . أبلغ سائق السيارة، واسمه سيفان كيرسبرغ، الضابط الذي احتجزهم:” نحن إسرائيليون. ولسنا مشكلتكم، فمشاكلم هي مشاكلنا، والفلسطينيون هم المشكلة.” تم حجز الشبان ستة أسابيع ثم اطلق سراحهم وسمح لهم المغادرة الى إسرائيل. ذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن ريتشارد أرميتاج، احدعناصر المحافظين الجدد و نائب وزير خارجية الولايات المتحدة ، واثنان من مجلس الشيوخ البارزين من نيويورك ، قد مارسوا ضغوطا في الأسبوع الأخير من تشرين أول (اكتوبر) 2001، أي بعد ستة أسابيع من احتجاز مجموعة الاقصين ، من أجل إطلاق سراحهم. وتدخل المحامي ألان دورشوفيتز، من كواسر المحافظين الجدد، للضغط من اجل إطلاق سراح المعتقلين! بعد يومين من احتجازهم غادر المواطن الإسرائيلي، دو مينيك سوتر، وعمره 31 سنة، تاركا مؤسسته وسلعاً قيمتها آلاف الدولارات ، وهرب إلى إسرائيل! هل خاف مصير الجاسوس الإسرائيلي بولارد الذي قضي عقوبة سجن مديدة؟
كل ذلك لم يلفت انتباه لجنة التحقيق. كانت مبرمجة سلفا!
وشبكة تجسس ثانية عملت بمعزل عن الأولى؛ هذه المرة”طلبة فنون” أحاطت بفريق القاعدة: اهتدى إلى أنشطتها السابقة محقق كاونتر بونش عام 2002. فتيان وفتيات انخرطوا في أعمال تمويهية ، لكن نفرا محدودا كلف بمهام سرية. تدرب هذا البعض كضباط في الجيش الإسرائيلي على التقاط المراسلات الإليكترونية. وأحدهم عمل ضابط استخبارات عسكرية بالجيش، ويدعى حنان سيرفاتي، استأجر شقتين في هوليوود، محاذيتين لشقة محمد عطا وأربعة من مخططي خطف الطائرات. كان سيرفاتي ينفق مبالغ مالية طائلة . وتدل التقارير أنه سحب مبلغ ثمانين ألف دولا ر خلال الفترة من حساب بنكي. كانت شقة محمد عطا على بعد 2400 قدم من شقة سيرفاتي بشارع شيريدان.
افاد ضابط التجسس المضاد ان التحقيق في ظاهرة “طلبة الفنون” أظهر أن الإسرائيليين يحتمل أنهم يقومون بعملية تجسس ضخمة داخل الولايات المتحدة ، وأنهم نجحوا في تحديد هوية بعض الخاطفين. وتوصلت لنفس الاستنتاج عام 2002صحيفة دي تزايت الألمانية، وكتبت تقول أن “عملاء الموساد بالولايات المتحدة كانوا بكل الاحتمالات يراقبون أربعة من الخاطفين على أقل تقدير”.

أثبتت تحقيقات أجراها كريستوفر كينشام أن جميع الخاطفين لطائرة أميريكان أيرلاينز 77 كانوا ينشطون ضمن دائرة قطرها ستة كيلومترات من مركز” إيربان موفينغ سيستم”، حيث كان أفراد المخابرات الإسرائيلية يجرون مراقبتهم. كان محمد عطا يقوم بزيارات لأصدقائه بنيوجيرسي، هاني حنجور وماجد موكد، أحد مساعدي حنجور في الاستيلاء على الطائرة.
الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية تنفيان ارتباط الرجال الخمسة بالاستخبارات الإسرائيلية أو أن لديهم معرفة مسبقة بعمليات الخطف. أما ضابط التجسس المضاد، فينسينت كانيسترارو، فقد صرح للصحفي كينشام، ان الإسرائيليين المشتبه بهم يتقنون اللغة العربية و” يديرون عمليات ذات تقنية عالية، بين الجالية المسلمة المتواجدة بكثافة في نيوجيرسي الشمالية. والعمليات تشمل مراقبة الهواتف ووضع أجهزة تصنت داخل الغرف وأجهزة مراقبة متحركة. وإلى ذلك أضاف احد محققي تلفزيون أيه بي سي ” ما سمعناه أن الإسرائيليين قد سمعوا عن شيء ما سيحدث صبيحة الحادي عشر من أيلول. أما ضابط التجسس المضاد فأضاف ” لم يكن هناك شك ، (ولكن الأمر بإقفال التحقيق) جاء من البيت الأبيض… نحن نعلم أنهم ربما علموا مسبقا بالهجوم ، إلا أن هذا كابوس سياسي لا يجرؤ أحد على التعامل معه”. كابوس فرضه ديك تشيني ، الذي قام بانقلاب يوم التفجيرات، كما اكتشف سيمور هيرش وورد في حلقة سابقة.

تحت المراقبة الصارمة تحرك محمد عطا ومجموعته؛ بينما جرت برمجة الطائرات طبقا للخبرة التقانية المتقدمة المتقدمة التي يجهلها تماما رجال القاعدة. علم شارون ، ومن قبله إيهود باراك، بكل ما توصلت اليه المجموعة العاملة في نيوجيرسي؛ وضعت مكيدة لدمج المقاومة الفلسطينية مع منظمة القاعدة بتهمة الإرهاب: كانت الفصائل قد جنحت للتهدئة بعد أن تبين لها أنها متورطة في صدام مسلح غير متكافئ؛ قرر الكيد الإسرائيلي استفزاز الفصائل الفلسطينية بعمليات اغتيال متلاحقة، مستثمرا غريزة الانتقام المتجذرة في الوعي الفلسطينية. يغتالون عنصرا من هذا الفصيل فيرد الفصل ب”انتقام” ، عبارة عن عمل انتحاري بين المدنيين اليهود . تواصلت الاستفزازات وتواصلت العمليات ” الانتقامية” حتى موعد تفجيرات نيويورك وإعلان الحرب على الإرهاب. حينئذ أعلن شارون أن لديه “بن لادن” يوجه الإرهاب الفلسطيني ضد المواطنين العزل في إسرائيل. استجاب له الرئيس بوش واعلن ان عرفات سبب المشكلة وليس أهلا للحل! بمكيدة خبيثة استطاع شارون بتواطؤ الميديا الأميركية والغربية، قلب المعادلة. مارس إرهاب دولة وضرب أحياء المدن والمخيمات والبلدات بالصواريخ، وأسقط قنبلة زنة طن على حي رصد به قائد حمساوي فقتلت القنبلة معه سبعة وعشرين مدنيا، وبرز الجيش الإسرائيلي وإسرائيل عموما ضحية إرهاب فلسطيني!! كشفت المكيدة كاثلين كريستيسن، عملت في السابق محللة أخبار بالمخابرات المركزية الأميركية. قالت أن الميديا الأميركية والغربية عموما تواطأت مع شارون ، نقلت أخبار التفجيرات بين المدنيين الإسرائيليين وسكتت عن الجرائم بين الأوساط الفلسطينية؛ فساد الاعتقاد ، وربما القناعة، ان إسرائيل ضحية “إرهاب فلسطيني”، ومن ثم فمشكلة الشرق الأوسط هي امن إسرائيل.
قدم عالم الفيزياء ديفيد تشاندلر برهانا لا يمكن الطعن فيه على أن المبنى رقم 7 قد انهار بالسرعة الحرة على الجزء المرئي ( بنايات أخرى تخفي الطوابق السفلية كليا)؛ وهذا مؤشر واضح على أن متفجرات قد أزالت في آن واحد أعمدة الإسناد. غير ان المسئولين بالولايات المتحدة يتنكرون للحقائق العلمية وللقوانين المحلية والدولية.
ولجنة التحقيق بدورها لم تجد لزاما الالتزام بالقوانين وحقائق العلم؛ فصدر تقريرها أشبه برعدية انزلت الأمطار وأنبتت الفطر؛ فقد استفز التقرير علماء وخبراء يعيبون عليه تجاهل وقائع دامغة صاحبت التفجيرات. رئيس أسبق للجمهورية الإيطالية ادان مباشرة عقب إذاعة نبأ التفجيرات واتهام القاعدة قبل أي تحقيق فوجه صراحة اصبع الاتهام الى المخابرات الأميركية والإسرائيلية بتدبير الحادث؛ وكذلك فعل مدير سابق للاستخبارات العسكرية الباكستانية ادان السي آي إيه والموساد الإسرائيلي بتدبير الحادث. ثم دخل الكاتب الفرنسي تييري ميسان يؤكد انها لخديعة كبرى ؛ إذ يستحيل على مجموعة متمردين متمركزين في كهوف أفغانستان التخطيط والتنفيذ لحدث ضخم كهذا..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.