عطا درغام يكتب | مستقبل الثقافة في مصر (2-2)

0

كتب الدكتور طه حسين مستقبل الثقافة في مصر علي خلفية توقيع معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا.، ويقع الكتاب في ستين فصلًا أو ستين حديثًا، تشكل جميعًا حوالي أربعمائة صفحة. بعضها تجاوز 17 صفحة، وبعضها تجاوز بالكاد- صفحة واحدة، وطوال هذه الصفحات لن نجد تعريفًا ولا محاولة تعريف مفهوم ومعني الثقافة الذي يقصده، لكن الكتاب يربط ربطًا تامًا بين الثقافة والتعليم، ولعله لو اتخذ له عنوان”مستقبل التعليم في مصر” لما خرج مضمون الكتاب وهدفه
ولعله اختار العنوان حتي لا يقع في نطاق الفئوية؛ أي كتاب عن فئة المتعلمين والمعلمين وحول قطاع التعليم، ذلك ان الثقافة معناها ومفهومها أشمل وأعم ويخاطب بها الجميع المتعلم وغير المتعلم.
سوف نجد أن 12 فصلًا الأولي من الكتاب هي عبارة عن مصر عمومًا، تاريخها واستقلالها،ومعني الدولة وأركانها، وبعدها مباشرة تدخل في فصول حول قضايا التعليم،وعددها 39 فصلًا،تناول فيها التعليم المدرسي ثم الجامعي وتوقف كذلك عند ثنائية التعليم المدني والتعليم الديني ، الإسلامي منه والمسيحي.
وعالج كذلك مسألة التعليم الأجنبي والتعلم الوطني..في هذه الأمور لم يترك تفصيلة من تفاصيل العملية التعليمية إلا وقد عالجها؛ ولم يكن ذلك غريبصا عليه، فقد كان طوال حياته معلمًا بالجامعة ،ولما تركها عمل بوزارة المعارف العمومية.
بعد هذه الفصول المطولة والممتعة، يتبقي تسعة فصول خصصها لما نُطلق عليه – اليوم- قضايا الثقافة،أي الأدب والفن (السينما والمسرح) والإعلام ( صحافة وراديو) . إذ لم يكن التلفزيون قد عرف بعد بيننا،وسوف نلاحظ أن هذه القضايا لا تبتعد لديه عن العملية التعليمية والنظام التعليمي.
ويريد طه حسين للدولة أن تتولي هي الإشراف بالكامل علي العملية التعليمية، هي التي تضع المناهج وتراقب تنفيذها والالتزام بهن ودافعه إلي ذلك عدة امور أهمها أن المصريين بين أمرين، أغلبية لم تتعلم ويجب علي “الديمقراطية” أن تقوم بتعليمها وأقلية متعلمة،وتلك الأقلية خضعت لنظم مختلفة في التعليم تعليم رسمي “اميري” وتعليم أهلي وتعليم أجنبي، مدارس إنجليزية وأخري فرنسية.
وبعد أن يدرس المواطن منذ مراحله الاولي اللغة العربية،ودراسة التاريخ المصري والجغرافيا،ولا يجد غضاضة في مطالبة المدارس الأجنبية في مصر بتدريس الدين الإسلامي لطلابها.
وينيئنا كتاب مستقبل الثقافة في مصر إلي أن طه حسن كان محبًا للازهر وحفيًا به وبتعليمه،وكان حريصًا عليه..وإذا كان قد ذهب في كتابه إلي أن الدين مقوم أساسي من مقومات الشخصية الوطنية، فلا بد إذن أن يكون حريصًا علي الأزهر..
ويتوقف طه حسين أمام مشكلة الامتحانات وهو يراها عسيرة إلي أبعد حدود العسر وسخيفة إلي أفصي غايات السخف.. والأصل لديه أن الامتحان وسيلة لانتقال الطالب من مرحلة إلي مرحلة.
لكن عندنا تحول الامتحان إلي غاية بحد ذاتها صار التلميذ يدري ويتعلم ليخوض الامتحان لا ينمي معارفه وعقليته، وصار المعلم يؤدي دوره علي هذا الأساس، وكذلك الأسر وهذا جعل التلميذ لا يهتم بغير الدروس المقررة التي يجب ان يستظهرها ، ولا يتم بالقراءة العامة.
وكذلك صار حال المعلم، لذا تراجعت القراءة وحرية الاطلاع.ولم يعد المعلم ولا التلميذ يهتم بأن يعرف علي إنتاج الكتاب والعقول.ومن ثم أضّضر هذا النمط من التعليم بالثقافة والأدب والمعرفة عمومًا،لذا في وقت ما كنا نجد كثير من المعلمين لهم إنتاج أدبي ومعرفي وعلمي في صورة مؤلفات وإبداعات أو ترجمات لكنهم حين تحولوا إلي غاية الامتحان،تراجع ذلك كله وتراجع إنتاجهم.
وانتقلت سلبيات هذا النمط التعليمي إلي الأخلاق الخاصة والعامة أيضًا، أخلاق التلميذ والمعلم والمجتمع كله، حيث فتح باب “الغش” وربما لم يكن الغش سنة 1938 علي النحو الذي شاهدناه في السنوات الأخيرة، حيث تحول إلي غش جماعي وليس حالات فردية.
غير أن الغش الأخطر في العملية التربوية والتعليمية.كما يراه طه حسين ، هو أن يتحول غمل المعلم في المدرسة وكذلك التلميذ إلي التريب وتكوين الطالب من أجل يوم الامتحان فقط؛ فيحددون دروسًا بعينها سوف يكون الامتحان منها هي التي يتم استذكارها دون غيرها، ثم يعدون لهم كتبًا بها نماذج لأسئلة الامتحانات والكتب المساعدة التي تركز فقط علي إعداد التلميذ ليوم الامتحان، وليس لتكوينه علميًا وإعداده معرفيًا،وهو يعتبر كل ذلك غشًا في العملية التعليمية،وهو مفسد للتعليم وللأخلاق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.