محمد زكي توفيق يكتب | الحرب الأهلية الفرنسية

0 379

لا شيء يمكن أن يكون أكثر حزنا من حالة فرنسا تحت حكم الملك المجنون، شارل السادس. عندما كان تحت رعاية العم، دوق بورجوندي، لم يكن الأمر بهذا السوء، وكانت البلاد تحت نوع ما من الحكومة.

لكن، عندما توفي الدوق فيليب، دوق بورجوندي، وانتقلت الدوقية إلى ابنه، جون الشجاع، كان هناك شجار دائم بين هذا الدوق الخشن ولويس شقيق الملك، ودوق أورليانز.

دوقة أورليانز، كانت سيدة إيطالية لطيفة، فالنتينا ميلانو. هي الشخص الوحيد الذي كان يمكنه أن يهدئ الملك المسكين، عندما تنتابه نوبات من الهيجان. لكن البعض في بورجوندي، كان يتهمها بأنها، هي التي قامت بسحره، وهي السبب في جنونه.

في ذلك الوقت، لم تكن الملكة إيزابيل، تفعل شيئا سوى تسلية نفسها، وتقضية أوقات سعيدة مع دوق أورليانز. وكانت تترك الملك وأطفالها بدون عناية أو مرافقين، وغالبا، بدون ملابس أو طعام مناسب.

كان أهل باريس يكرهون دوق أورليانز، ويحبون دوق بورجندي. وتم إقناع الأخير، بوضع الملك تحت رعايته. وفي إحدى الليالي، بينما كان دوق أورليانز عائدا إلى منزله بعد عشاء مع الملكة، تمت مهاجمته وقتله من قبل بعض الأشرار، أثناء مروره في شوارع باريس.

الأكثر غرابة من ذلك، هو أن دوق بورجندي، قد قام بتكليف أحد الكهان بالدفاع عن القتلة. بعد ذلك، جاءت دوقة أورليانز مع أبنائها، وركعت عند قدمي الملك، وهي تتوسل له لكي يأمر بمعاقبة القتلة. لكن الملك، لم يكن يستطيع فعل أي شيء يخفف من حزنها، فذهبت هي إلى منزلها وماتت حزنا وكمدا.

ابنها، دوق أورليانز الشاب، كان متزوجا من ابنة كونت أرماجناك، الذي تناول قضيته بشدة. جميع الأصدقاء من بيت أورليانز كانوا يسمون حزب الأرماجناك. وكانوا معروفين بارتداء وشاح أبيض فوق الكتف الأيسر، بينما يرتدي البورجنديون القلنسوات ذات اللون الأزرق.

كان الابن الأكبر للملك، ووريث العرش، دوفين لويس، البالغ من العمر ستة عشر عاما، يحاول الوصول إلى السلطة. لكنه كان شابا أحمق خاملا، لم يلتفت إليه أحد.

عندما سمع الوريث أن الملك الجديد لإنجلترا، هنري الخامس، يستعد لغزو فرنسا، أرسل له لويس هدية تهكمية، عبارة عن سلة من كرات التنس، قائلا إنها تمثل أهم الأسلحة التي تناسبه.

فأجاب هنري، إنه يأمل في رد هدية الكرات، عن طريق أفواه المدافع المصوبة نحو باريس. ولم يمض وقت طويل قبل أن يعبر هنري بالفعل القناة، ويحاصر هارفلور، في نورماندي. وسرعان ما أخذها، لعدم وصول أية مساعدة إليها.

ثم أعلن هنري نفسه ملكا على فرنسا، مثل إدوارد الثالث من قبل. وشرع في ترتيب أموره بالنسبة للبلد الذي تم غزوه. فجمع وريث العرش الفرنسي، لويس، جيشا وسار لمواجهته.

كان الجيش الفرنسي يفوق الإنجليزي في العتاد والعدد. من السهل اختراقه وحصاره وتجويعه. لكن الإهمال والخلافات والعصيان الذي دب بين أفراد الجيش الفرنسي، تسبب في هزيمته.

بالرغم من أن كل نبيل وفارس في الجيش الفرنسي، كان شجاعا. إلا أنهم لم يكونوا متحدين. فحدثت مذبحة في معركة أجينكورت الشهيرة. وتم أسر العديد من المشاهير الفرنسيين من قبل الإنجليز. منهم، دوق أورليانز. لكن، لم يسمح هنري بفدية هؤلاء النبلاء، وتركهم أسرى في إنجلترا، إلى حين انتهائه من معاركه الحربية واسترجاعه لمملكته.

هرب وريث العرش الفرنسي، دوفين لويس، من المعركة، لكنه توفي بعد فترة وجيزة. أخوه التالي، دوفين جون، لم ينج هو الآخر طويلا. الشقيق الثالث، دوفين شارل، كان بالكامل تحت سيطرت حزب الأرماجناك، وكذلك أبوه وأمه.

لكن كونت أرماجناك، كان وقحا، لدرجة أن الملكة إيزابيل، لم تعد قادرة على تحمله. فهربت إلى حماية دوق بورجندي. وبعد فترة وجيزة، انتفض شعب باريس ضد الأرماجناك، وقتلوا كل من وجدوه ينتمي لذلك الحزب.

كونت أرماجناك نفسه، تم قتله بشكل فظيع، وسحبت جثته في الشوارع. الملك المسكين شارل السادس، كان في نوبة من الجنون في قصره. وحمل وريث العرش بعيدا، من قبل صديقه السير تانجي دو شاستيل.

لمدة شهر كامل، لم يكن هناك شيء سوى جرائم قتل وحشية طوال الوقت في باريس، لمن ينتمون إلى حزب الأرماجناك. إلى أن وصلت الملكة ودوق بورجندي، وتم استعادة، حينئذ، شيئا من النظام.

لا أحد، بالطبع، كان لديه الوقت للمساعدة في تخفيف حصار هنري الخامس ل “روان”، بالرغم من صمود المواطنين بشجاعة. لكن الملكة والدوق، كانا مصممين على صنع السلام معه.

التقيا به بالقرب من بونتواز، حيث عقد مؤتمرا في خيام مطرزة، نصبت خصيصا لهذا الغرض. حيث طلب هنري يد كاثرين، الابنة الصغرى لشارل السادس وإيزابيل.

على أن يكون المهر، هو كل المقاطعات التي كانت ذات يوم ملكا للملوك الإنجليز، نورماندي، أكيوتاين، والباقي. وإذا لم يتم الموافقة على ذلك، سيستمر هنري في غزو المملكة بأكملها وضمها لملكه.

لم يتم تقديم أي وعود على الإطلاق. دوق بورجوندي لم يستطع اتخاذ قرارا بالتنازل عن جزء كبير جدا من مملكته الأصلية. وبدأ في التفكير في الذهاب إلى وريث العرش، ومساعدته على الدفاع عن نفسه.

رتب اجتماع بين الدوق ووريث العرش (الدوفين) على جسر مونتيرو. لكن تانجي دو شاستل وأصدقاء الأمير، لم يكن لديهم نية السماح للصبي بالدخول في قوة الدوق العظيم.

وخلال المؤتمر، قام المتآمرون بطعن جون الشجاع في القلب. عقابا له لقتله شقيق الملك، دوق أورليانز. لكن الجريمة كانت مروعة بالنسبة لمن قاموا بها.

كانت النتيجة أن ابنه فيليب، الذي يدعى الحسن، ذهب إلى إنجلترا. وقبل مرور وقت طويل، تزوج هنري الخامس من كاثرين. وصار الوصي على عرش فرنسا، طالما كان المسكين شارل السادس المجنون على قيد الحياة. بعد ذلك، حرم شارل، وريث العرش، من لقبه كقاتل.

بعد ذلك، تم غزو كل شمال فرنسا من قبل الإنجليز، وتقاعد وريث العرش وأصدقاؤه إلى الجنوب. ومن ثم، أرسلوا إلى الإسكتلنديين يطلبون المساعدة. فجاء العديد من الإسكتلنديين الشجعان، وهم سعداء بفرصة القتال مع الإنجليز.

كان هنري قد عاد إلى منزله في إنجلترا لأخذ عروسه، وترك شقيقه دوق كلارنس في القيادة. وبينما كان الإنجليز يسيرون إلى أنجو، هجم الإسكتلنديون عليهم في بوجي وهزموهم، مما أسفر عن مقتل دوق كلارنس.

عاد هنري على عجل، واستولى على بلدة مو، حيث كان يعيش اللص الرهيب، الذي كان يروع سكان باريس. لكن الحصار استمر طوال فصل الشتاء. فأصيب هنري بالبرد هناك، ولم تتحسن صحته أبدا مرة أخرى.

بعد فترة وجيزة، انطلق إلى آخر حملة. لكنه كان مريضا جدا أثناء الرحلة، وكان لا بد من إعادته إلى فينسين، حيث مات هناك.

لم يكن أحد من بين جميع أولاده، يعامل الملك المجنون، شارل السادس، بطريقة جيدة، كما كان هنري الخامس، ملك إنجلترا.

الخسارة في النهاية كسرت قلبه. بكى بحرقة على صديقه الطيب هنري. وتوفي شارل السادس بعد ثلاثة أشهر فقط من وفاته في أكتوبر، عام 1422، بعد ثلاثين عاما، قضاها وهو في غير قواه العقلية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.