محمد سليم سواري يكتب | الوطن بين السياسة والحب؟

0 216

في هذا الوطن الذي تمتد خارطته من القلب إلى القلب وتعشش الآلام والمعاناة عند الضمائر الحية والنفوس الأبية.. ما أشبه اليوم بالبارحة وما أتعس اليوم عن البارحة ، وكأنني بالأديب والشاعر اللبناني المبدع جبران خليل جبران في العشرينات من القرن الماضي عندما كان قلبه يعتصر ألماً على ما كان يصيب لبنانه الجميل آنذاك ، فكتب رائعته وما أشتهرعنه ” لكم لبنانكم ولي لبناني ” .
ما أشبه اليوم بالبارحة .. في بلدي العراق حيث يعتصر القلب يومياً من الألم والقلق والحيرة والحسرة ، ويهجر النوم الجفون ويعفو الأمن والطمأنية النفوس ، وتتعب العيون من الدموع ، أمام كل هذه المصائب الكبيرة والمعاناة الكثيرة والجروح العميقة .. هذا هو ما آل إليه حال عراقنا بين من يحبونها ومن يحملون المعاول في أيديهم والحقد والضغينة في قلوبهم .. حيث الصراع الأزلي بين الفريقين وكل يدعي بأن العراق عراقه وإن جل حبه للعراق ، ولكن كل واحد منهم لا يبكي إلا على ليلاه ؟
لكم عراقكم حيث الحقد والكره وجيوش تُقهر ومليشيات تُنصر والقتل على الهوية والجولات السياحية اليومية للمسلحين لإقتناص الأرواح البريئة والأجساد الطاهرة .. ولنا عراقنا حيث البسمة على الشفاه والأمل في العيون والعزم في النفوس حيث الحب والوئام والوفاق ؟
لكم عراقكم … حيث تهلهلون للعربي وهو يقتل الكوردي في الأنفال والقبور الجماعية والهجرة المليونية ، وتفرحون من حقد الشيعي للسني وحرق المساجد والحسينيات حيث أجندة الغرباء على الخطوط الحمراء من حدود بلادي ، وتَفتون من فتاوي الجهاد ما أنزل الله بها من سلطان ليذبح الشيعي السني والمسلم المسيحي والصابئي والإيزيدي .. ولنا عراقنا حيث ” كاكه حمه ” يعشق نخيل البصرة وإبن السماوة والرمادي يعشقان أشجار الحور والصفصاف في كوردستان ، والشيعي يتزوج سنية ويكنى بأبي عمر ويزوران مرة مرقد العسكري والكاظم ومرة أُخرى إلى أبي حنيفة والكيلاني ، والمسيحي يتلقى التهاني من المسلم والصابئي بميلاد وقيامة السيد المسيح عليه السلام ؟
لكم عراقكم حيث الحواسم والفساد المالي والإداري والأقربون أولى بالمعروف ، ولجنة تولد لجنة وتتكاثر كالأميبا وعباد الله لهم الله .. ولنا عراقنا حيث الضمائر الحية والتضحية والإيثار، والعراق أمام العيون والخوف من العار لا يفارقنا .
لكم عراقكم … فقط أن تمتلئ جيوبكم وتموت ضمائركم وترعى مصالحكم وتسود عشائركم وكتلكم .. ولنا عراقنا في وفاء دجلة والفرات وسمو وشموخ جبال كوردستان وحكمة السهول والأهوار وعبق تربة النرجس والياسمين وحضارة آشور وبابل وسومر وأكد .
هنيئاً لكم عراقكم حيث هولاكو وتيمورلنك وجنكيزخان والقتل والدم وحرق دار الحكمة والمتحف الوطني وحواسم القرن الواحد والعشرين .
وهنيئاً لنا عراقنا من كوردستانه إلى بَصرته حيث مراقد الأنبياء والصالحين والأئمة الأطهار ومسلة حمورابي والجنائن المعلقة وحكايات الف ليلة وليلة وجبل جود حيث رست السفينة بعد الطوفان.
هنيئا لكم بغدادكم التي جعلتموها مدينة المنطقة الخضراء والأسلاك الشائكة ومدينة الأشباح والموت والقتل ، والشيعي والسني يُهجًر من بيته ليصبح غريباً في وطنه وبغداده .. وهنيئاً لنا بغدادنا ، بغداد الحب والوجد .. بغداد شهريار وشهرزاد .. بغداد الشاعر علي بن الجهم وهو ينشد :
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
هنيئاً لكل الطيبين حبهم وتباً لكل المنافقين والحاقدين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.