هشام جمال داوود يكتب | القوة الناعمة الصينية في العراق

0 221

يعتبر الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 فرصة ذهبية بالنسبة للصين لأنه فسح المجال امام شركاتها بالدخول الى الساحة العراقية والتغلغل في اقتصاده مستخدمة بذلك سياسة (القوة الناعمة) وخاصة في القطاع النفطي، وبمرور الزمن ومع تراجع الاهتمام الأمريكي استغلت الصين امرين مهمين تمثل الأول بعلاقاتها مع بعض المسؤولين المتنفذين والثاني بانتشار الفساد.

حاولت الصين السيطرة على الاقتصاد والموارد النفطية في العراق من خلال محاولاتها لشراء حصص أكبر شركات النفط لثلاث دول في العراق وهم كل من (لوك اويل الروسية) وشركة (اكسون موبيل الامريكية) لكن وزارة النفط العراقية وقفت حائلاً دون عملية الشراء هذه.
والثالثة كانت شركة (بريتيش بتروليوم البريطانية) التي فكرت ببيع حصتها لشركة صينية ايضاً لكن المسؤولين العراقيين أقنعوها بعدم البيع.

لو ان الصين نجحت في ذلك فإن شركات النفط الدولية العملاقة ستقوم بهجرة القطاع النفطي العراقي الامر الذي يترك العراق مفتوحا امام استحواذ أكبر من جانب الصين، لذلك فإن مسؤولي الحكومة العراقية أعربوا فعليا عن قلقهم العميق ازاء الوتيرة السريعة التي تحاول بها بكين السيطرة على العراق.
الصين تستغل الفراغ الامني في العراق والذي سببه الانسحاب الامريكي، لذلك فان شركات الصين تقوم بالتحالف مع بعض الجماعات المسلحة لتحقق موطئ قدم قوي لها في صناعة النفط العراقي.
لكن في الوقت نفسه فإن العراق حريص على تأمين الاستثمارات الصينية في تطوير البنية التحتية والسبب في ذلك هو ان الكثير من الشركات الامريكية والاوربية غير راغبة في الاستثمار لان الوضع العراقي الأمني غير مستقر وان الفساد الإداري متفشي لذلك قامت الصين باستغلال هذه الفرصة وابرمت صفقات بقيمة 10،5 مليار دولار عام 2021 في قطاع البناء.

في حقيقة الامر العراق برز بالنسبة الى الصين باعتباره الشريك التجاري الاول في المنطقة، وهو ثالث أكبر موردي النفط لها بعد روسيا والسعودية، وان احتياط العراق من النفط وايضاً موقعه الاستراتيجي على الخليج العربي وقربه من مضيق هرمز يمثل اهمية بالغة لمبادرة (الحزام والطريق) لذلك كانت الصين متحفزة لتوسيع نفوذها وتأمل ان يقود تحسين العلاقات الاقتصادية مع بغداد الى نفوذ سياسي للصين خلال فترة من الزمن.
إن استخدام الصين استراتيجيات القوة الناعمة التي تشتمل على الاستثمارات الاقتصادية وسياسات عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول هدفه السيطرة على تلك الدول التي تحتاج المال، وهو ما ينطبق على العراق في تعارض قوي مع مبادرات القوة الصلبة التي تتبعها الولايات المتحدة، ولكون العراق بحاجة الى بناء المدارس في كل مدنه تستغل الصين ذلك إضافة الى حرصها الشديد على إقامة محطات توليد الطاقة والمصانع ومنشآت مائية.
وهذا واضح من خلال العقود التي تم توقيعها في السنوات الأخيرة والتي شكلت ضماناً حقيقياً للتواجد الصيني في الوقت الذي تبحث فيه كبرى الشركات العالمية الخروج من السوق العراقي.
وهناك جانب آخر تستغله الصين، يتمثل في العروض التي تقدمها للعراق، فعلى الرغم من ان المسؤولين العراقيين يرغبون بالتواجد الأمريكي الا انهم يجدوا العروض الصينية أكثر جذباً خصوصاً وأنها بدون الشروط التي يفرضها الجانب الأمريكي.

ختاماً فإن بغداد اعربت عن قلقها ازاء سيطرة الصين على الموارد العراقية، وان هذه السيطرة من شأنها ان تحول العراق الى دمية بين ايدي الصينيين في المستقبل القريب، خاصة وان الشركات الصينية تهيمن على القطاع الاقتصادي في العراق حيث تستهلك 40٪ من صادرات النفط الخام وتعمل شركاتها في الكثير من القطاعات الرئيسية كالتمويل والنقل والبناء والاتصالات، والعراق وضع اللمسات الاخيرة على الشروط مع شركة “سينوبك” الصينية لتطوير حقل غاز المنصورية والذي بمقدوره انتاج 300 مليون قدم مكعب يوميا، لذلك يرى المراقبون ان على واشنطن (تأطير المنافسة الاستراتيجية لأمريكا مع الصين في العراق باعتبارها منافسة ايديولوجية ما بين الديمقراطية وبين الاستبداد) وان تبذل جهود كبيرة وتقدم نفسها للعراق كشريك داعم وموثوق به.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.