وليد عتلم يكتب | الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية المصرية

0 815

الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية مفهوم حديث نسبيًا في مجال العلوم السياسية، حيث انصب اهتمام أدبيات العلوم السياسية على الديمقراطية كمفهوم عام باعتبار أنها تؤثر في النظام السياسي ككل.

وينطوي مفهوم الديمقراطية داخل الأحزاب على دلالات كثيرة ومختلفة للأحزاب السياسية، ومن ثم فالديمقراطية داخل الأحزاب مختلفة المعاني ما بين السياسيين والأكاديميين؛ لذلك فإن أي تعريف للديمقراطية داخل الأحزاب يجب أن يكون مرنًا بالشكل الكافي لمراعاة الظروف الخاصة لكل بلد وحزب، وهو ما أشار إليه أوستروغروسكي في كتابه المعنون بـ “الديمقراطية وبنية الأحزاب السياسية” من أن حياة الأحزاب وهياكلها التنظيمية لا تظهر في كل حالة نفس القدر من التكامل والانتظام.

يبقي التعريف الأكثر شمولًا وتداولًا لمفهوم الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية والذي يتبناه هذا الطرح، ذلك الذي وضعته سوزان سكارو susan scarrow والتي نصت فيه على أن “الديمقراطية داخل الأحزاب مصطلح عام للغاية، يصف مجموعة متنوعة من الوسائل المستخدمة لإشراك أعضاء الحزب في المداولات الحزبية الداخلية، وفي عملية صنع القرار”.

يمكن قياس الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية من خلال عدة مؤشرات، التقليدي منها والحديث، والتي تتمثل في: أنماط توزيع السلطة داخل الأحزاب السياسية، عمليات اختيار مرشحي الحزب في الانتخابات المختلفة، كذلك عمليات اختيار القادة وصنع السياسات، أما المؤشرات الحديثة لقياس ديمقراطية الأحزاب داخليًا، فتشتمل على: المشاركة السياسية، المنافسة، والاستجابة والمساءلة، التمثيل والشفافية.

يختلف الباحثون حول ما إذا كانت الديمقراطية داخل الأحزاب مرغوبًا فيها أم لا، وإن كان الواقع يشير إلى أن الديمقراطية داخل الأحزاب عملية جيدة ومرغوبة بالنسبة للكثير منهم. في هذا السياق، يرى المؤيدون للديمقراطية داخل الأحزاب أنها تمثل أهمية قصوى لتعزيز الديمقراطية على المستوى العام، وهم في ذلك يستندون إلى أن صحة وجودة الطابع الديمقراطي للأحزاب هي من بين أهم محددات صحة وجودة الديمقراطية على المستوي العام. في المقابل، يذهب المشككون في أهمية الديمقراطية داخل الأحزاب إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك علاقة ما بين الديمقراطية داخل الأحزاب والديمقراطية على المستوى العام، كذلك ينظر للديمقراطية الداخلية على أنها تعمل على الإضعاف من تماسك الحزب لأنها تزيد من مخاطر الانشقاق الداخلي، وهو ما يؤثر سلبًا على كفاءة الحزب حيث الكثير من الطاقة والوقت يهدران في التنافس وحل الصراعات الداخلية، بدلًا من التركيز على الأولويات الأساسية للنجاحات الانتخابية والحكومية.

بالانتقال للأحزاب السياسية المصرية؛ فقد عانت تاريخيًا من الصراعات الداخلية والانشقاقات المتتالية، فنجد داخل الحزب الواحد اكثر من جناح، تتحول فيما بعد تلك الأجنحة إلى أحزابًا سياسية، وهو ما قد يفسر بشكل جزئي زيادة عدد تلك الأحزاب وتجاوزها حاجز الـــ 100 حزب دون فاعلية تذكر، كما عانت تلك الأحزاب من غياب الديمقراطية داخليًا، على النحو الذي يمكن جعلها تجسد على نحوًا واضح  ” نظرية النخبة ” لروبرت ميتشلز Robert Michels المتمثلة في “القانون الحديدي للأوليجاركية The Iron Law of Oligarchy” أو “حكم القّلة Oligarchy” ، حيث       الأحزاب السياسية غير ديمقراطية بطبيعتها ودائما ما تميل الى “حكم القّلة، وتتولى نخبة الحزب وقادته زمام أمور الحزب على حساب مشاركة أعضاء الحزب.

الإشكالية من وجهة نظري تتعلق أولًا بالإطار القانوني الناظم للأحزاب السياسية في مصر، حيث أري قانون الأحزاب السياسية عامًا على نحو مخل، اختصرنا كل ما يتعلق بالأحزاب ما بعد يناير 2011 في موضوع “التأسيس بالأخطار” وكأن كل مشاكل الأحزاب توقفت على ذلك الأمر، لذلك فالدعوة مفتوحة لإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية ليصبح أكثر تفصيلًا، بحيث يشتمل على تحديد للأنشطة الداخلية للأحزاب، مثل النص على شروط وقواعد الانتساب والعضوية، وكذلك “قواعد استرشادية” لمسارات التصعيد والترقي وآليات المساءلة واحتواء الخلافات.

الأمر الثاني يتعلق  باللوائح الداخلية للأحزاب السياسية التي تعد بمثابة الدستور الحاكم للحزب، التي أصبحت بمثابة وثيقة تستخدم فقط لإكمال إجراءات التأسيس، ثم يتم إهمالها بعد ذلك، حتى في حالة تصاعد الخلافات يتم تجاهلها وعدم الاحتكام لها، نجد أن عديد الأحزاب في مصر قد يكون من الصعوبة الوصول إلى لائحته الداخلية أو الحصول عليها، كما أن غالبية تلك اللوائح عملت على تركيز السلطات والقرارات في شخص رئيس الحزب والهيئة العليا للحزب، دون الرجوع بشكل مباشر أو غير مباشر لقواعد الأعضاء، على النحو الذي يحرم الأعضاء من المشاركة الفاعلة في القرارات المؤثرة للحزب،

هنا تبرز أهمية لائحة النظام الأساسي للحزب، كدليل وموجه لعمل وأنشطة الحزب وتنظيمه الداخلي، وطبيعة علاقات السلطة ما بين مستوياته التنظيمية المختلفة، لذا ينظر الكثيرون إلى لوائح النظام الأساسي الداخلية للأحزاب على أنها الأكثر اقترانًا بالديمقراطية داخل الأحزاب، كونها تنطوي على العمليات ومسار العلاقات بين المستويات الحزبية المختلفة والتي تحدد ما إذا كان ذلك الحزب ديمقراطيًا من عدمه.

هو ما يضع الأحزاب المصرية أمام تحد تغير علاقاتها مع الأعضاء والناخبين، حيث أصبح انخفاض ولاء الأعضاء، تراجع العضوية الحزبية، وانقسام الناخبين الى كتل تصويتية مختلفة، ومدى تأثير الديمقراطية داخل الأحزاب على ذلك؛ إشكاليات جديدة تتطلب تحليلا جديدًا وأدوات محدثة ومختلفة لقياس أثر الديمقراطية داخل الأحزاب المصرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.