وليد عتلم يكتب | القرارات الاقتصادية و”اَلدَّوَاء اَلْمُرِّ”

0 432

يقول المثل الشعبي (ليس باليد حيلة) أي لا يمكن عمل شيء، ويقول المثل العربي الأخر لعمرو بن العاص (مُكْرَه أَخُوكَ لَا بَطَل)، أي الإضطرار إلى فعل شيئا ألزمتنا الضرورة اللجوء إليه ونحن في الحقيقة لا نريد هذا. هذا هو الواقع الان في خضم الأزمة المالية العالمية؛ حيث لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني من تداعيات فيروس كوفيد 19، زادت من وطأة تلك التداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من تأثيرات سلبية على سلاسل الغذاء، وأسعار المحروقات والطاقة، لذلك كانت التوقعات متشائمة من المؤسسات الاقتصادية الدولية بالنسبة للاقتصاد العالمي؛ حيث توقع صندوق النقد الدولي في تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، تراجع معدل النمو العالمي من 5,9% في 2021 إلى 4,4% في 2022. ونظرا لارتفاع أسعار الطاقة واضطرابات سلاسل الإمداد، يتوقع الصندوق كذلك استمرار ارتفاع التضخم في الأجل القريب، مسجلا في المتوسط 3,9% في الاقتصادات المتقدمة في 2022 و5,9% في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
مصر دولة سيئة الحظ؛ فبعدما سجل النمو الاقتصادي في مصر خلال الربع الأول من العام المالي 2021/2022 أعلى مستوى على امتداد العقدين الماضيين بنسبة 9.8%، مقارنة بمعدل نمو 0.7% خلال الربع الأول من العام المالي 2020/2021، ما يؤكد تحسن أداء الاقتصاد، والاتجاه نحو التعافي من جائحة “كورونا”. وكانت التوقعات متفائلة بتواصُل ارتفاع معدل النمو السنوي ليتراوح بين 5.5% و5.7% بنهاية العام المالي الجاري. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن، لتلقي الأوضاع والأزمات العالمية بظلالها وتداعياتها السلبية على الاقتصاد المصري، لذلك أقول نحن دولة سيئة الحظ.
لذلك نعود للاجراءات المريرة إضطراراً في ظل ارتفاع معدلات التضخم المحلى لـ 10%.؛ حيث حزمة إجراءات من البنك المركزي بخصوص أسعار الفائدة، وإعادة تصحيح سعر الصرف للجنيه المصري في مواجهة العملات الأجنبية، إلى جانب إعادة تسعير المحروقات. لكن هل هناك ما يدعونا للتفاؤل خاصة وأن معظم الآراء يغلب عليها التشاؤم؟؟. نعم هناك مؤشرات قوية لعدم التشاؤم أو الفزع الكبير، وذلك النحو التالي:
أولاً: أن تحليل مؤشرات الاقتصاد المصري خاصة خلال فترة الجائحة، وكما سبق العرض تشير إلى قدرته على التعافي السريع، مرجع ذلك إجراءات التصحيح الاقتصادي التي سبق وأقرتها القيادة السياسية وبكل شجاعة في الفترة من 2014 وحتى 2017، الان يتضح مدى أهمية تلك القرارات ودورها الكبير في احتواء الصدمات الاقتصادية العالمية.
ثانياً: إن إعادة تصحيح سعر الصرف، وعلى عكس المدرك السلبي تجاهه هو مفيد في مضمونه ولصالح الاقتصاد والصناعة الوطنية؛ إجراء يؤدى مباشرةً إلى تقليل الواردات (بما يوفر حصيلة دولارية)، وزيادة فى الصادرات (بما يوفر مزيداً من الدولارات). يحدث ذلك دون الحاجة لأى قرارات إدارية مُصاحبة (بحظر استيراد سلعة أو تحديد واردات أخرى). الصادرات المصرية تصبح أرخص، فيزداد الطلب عليها. وارداتنا تصبح أغلى، فيلجأ المستهلك أحياناً للمنتج المصرى، كما أنه يساهم في انتعاش لقطاع مهم كقطاع السياحة.
ثالثاً: التصحيح السابق لسعر الصرف كان له أثار ايجابية كبيرة تمثلت في: زيادة الصادرات المصرية، حيث ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال العام 2021 إلى 31 مليار دولار، محققة أعلى مستوى لها على الإطلاق في التاريخ، كما ساهم في في الحفاظ على استقرار السوق المصرفي في مصر وزيادة حجم الاحتياطي الأجنبي لمستويات غير مسبوقة، ليصل إلى 40.994 مليار دولار في نهاية شهر فبراير 2022.
رابعاً: التحوط الكبير من الحكومة المصرية تجاه المؤشرات العالمية السلبية؛ لذلك خصصت الحكومة مبلغ 170 مليار جنيه كاحتياطي، لتوفير السلع الأساسية والطاقة التي تستوردها مصر، نظرا لارتفاع أسعارها عالميا.
وأخيراً؛ لابد على مؤسسات الإعلام الاتصال العمل على زيادة وعي المصريين بتوضيح أبعاد الأزمة عالمياً، وتأثيراتها محلياً، وأين نحن مما يحدث، ولماذا تتخذ مثل هذه الإجراءات لاستيعاب الصدمات. والأهم ضرورة الثقة فى المؤسسات الوطنية المصرية، وخبراتها الراسخة من جيل إلى جيل، وهى المؤسسات التى تمثلنا جميعاً ونفخر بها. وقدرتها على تجاوز الأزمة بدعم وتفهم المجتمع المصري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.