ياسر جابر الجمَّال يكتب | موسيقى الشعر والقراءات المتعددة

0

إن العربية ينظر إليها باعتبارها لغة لا محدودة، تتخذ من الفضاء مساحات شاسعة كي تعبر عن نفسها، إذ إنها تمارس سلطات متعددة بخاصة من حيث الموسيقى، وما ينتج عنها من علامات تؤسس لدلالات متعددة لدى المتلقي، وهذا يؤكد أن “العربية لغة موسيقية ،وليست لغة نبرية، ولا مقطعية حسب التقسيم العالمي لإيقاع اللغات ( لغات ذات إيقاع مقطعي، ولغات ذات إيقاع نبري) فهي لغة موزونة بتوالي الحركات والسكنات في صيغها الصرفية، التي ماهي إلا بنية لكلماتها، من صيغ الاسم وصيغ الفعل والصفة …. ومنها استمد الشعر تفعيلاته المعروفة، وقد حاول بعض المستشرقين وأتباعهم من المحدثين العرب تعويضها بالإيقاع المقطعي أو النبري دون جدوى ؛لأن الشعر العربي وليد الخصائص الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية وحتى النفسية ؛ لذلك يتميز بثلاثة مستويات من الإيقاع : إيقاع خارجي، وإيقاع داخلي ، وإيقاع نفسي”.
وهذه الأمور الثلاثة السابقة هي السائدة في تناول الدلالة الموسيقية قديمًا، وحتى الآن، إلا أنه توجد قضايا جديدة متعلقة بالقصيدة الحديثة، كعلامات الترقيم ، ودلالة ذلك في البناء اللغوي لدى الشعراء، كذلك الشكل الطباعي، والسمت الخطي، وإيقاع النهاية، … وغير ذلك من القضايا الموسيقية المتعلقة بدراسة القصيدة المعاصرة.
إن النص الشعري الحديث يمتلك معطيات عديدة ناتجة عن العوامل الكثيرة التي تحيط به، هذه العوامل كان لها الدور الأهم في إعطاء هذه النصوص مساحة كبيرة من التأويل، والقراءات المتعددة، أو ما يعرف بانفتاح النص وثراء التأويل، فالنص الحديث لديه من التحرر قدر كبير يسمح له بذلك، والشعر العربي ضمن ذلك التصور، حيث تضافرت عليه عوامل عديدة شكلت رؤيته.
فالموسيقى الشعرية “بخاصة المستوى الصوتي من أهم مستويات البناء الشعري وأكثرها وضوحًا وذلك بحكم المادة الأولية للشعر – بوصفه فنًا لغويًا- أي أن الألفاظ التي هي مجموعة من الأصوات ، تخضع عند تشكيلها لتنظيم خاص، يلفت انتباه المتلقي، ويمثل هذا التنظيم جانبًا كبيرًا من التأثير الجمالي للفن، وهذا التنظيم الصوتي تشترك فيه كل الأعمال الأدبية من نثر وشعر ؛لكنه في الشعر أكثر وضوحًا وأقوى فاعلية، فالبناء الصوتي والإيقاعي إحدى الركائز الأساسية لماهية اللغة الشعرية، فهي لغة إيصال وإيحاء ومتعة موسيقية، وإذا كان الشعر يكتسب خصوصيته بتشكيله الصوتي الذي يثير المتلقي فإن معنى القصيدة إنما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر مما يثيره بناء الكلمات كمعان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.