دينا المقدم تكتب | اللاجئين والرمق الاخير

0 408

أرض الكنانة هي الملاذ الآمن منذ فجر التاريخ لكل من يبحث عن السلام وعلى مدار أكثر من عشرة أعوام تحتضن مصر أعدادًا كبيرة من اللاجئين على أراضيها
الفارين من أوطانهم بسبب النزاعات والحروب والإرهاب، يتلقون كل الخدمات العامة ولا تستطيع أن تفرقهم عن المواطن المصري. ولم تدخر الدولة المصرية جهدًا في توفير خدمات الصحة والتعليم، وبرامج الاستجابة والمساعدة القانونية، وأنشطة حماية الطفل، والتمويل الواضح والمرن في الوقت المناسب للاجئين وطالبي اللجوء على قدم المساواة مع المصريين.
نصت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 2 لسنة 2018، الخاص بالتأمين الصحي الشامل، على شمول اللاجئين والأجانب المقيمين في مصر، ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل ناهيك عن استفادتهم بكافة المبادرات الرئاسية الخاصة بالصحة ويستفيد اللاجئون من الدعم الذي تقدمه الحكومة للمصريين في السلع والخدمات الأساسية أيضًا. كما يتمتع الأطفال العرب بحق الالتحاق بالمدارس الحكومية بغير تفرقة بينهم وبين المصريين. وتيسر السلطات المصرية حصول اللاجئين، على تصاريح الإقامة والعمل. وينعم اللاجئون وملتمسو اللجوء بحرية التنقل في البلاد، دونما احتجاز داخل معسكرات، أو تكدس في مراكز احتجاز.
إن ما يقرب من 9 مليون من مختلف الجنسيات يقيمون على الأراضي المصرية وفقا لإحصائيات مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2022. وفي تصريحات الحكومة المصرية أنها تستضيف حوالي 9,000,000 لاجئ في أغسطس 2023. وفى نظري أن هذه الاحصائيات غير صحيحة وتفتقر لدقة الواقع الذي يعيشه المواطن المصري. لذلك أعلنت الحكومة المصرية عن مبادرة ومواعيد محددة لتقنين أوضاع الأجانب في البلاد.
‏نظرًا لغياب الحصر الدقيق لأعداد المهاجرين واللاجئين في مصر حيث يوجد منهم من يقيم بطرق رسمية وآخر بطرق غير شرعية ناهيك عمن هم ليسوا في حاجة إلى التسجيل في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وهذا ما يشكل خطرا على الأمن القومي المصري.
كيف لدولة بحجم مصر أن تواجه هذا الكم من المخاطر ويوجد على أرضها لاجئين مجهولي الهوية؟ يبدو أن الخطاب السياسي الجيد وتصريحات السيد الرئيس كان عامل جذب لكل شخص فر من بلاده بسبب النزاعات والصراعات في المنطقة العربية وافريقيا. وواقعيا هكذا تنظر القيادة السياسية المصرية لكل من يطأ قدمه الأراضي المصرية فتعتبرهم القيادة السياسية ضيوفا “حلوا أهلًا ووطئوا سهلًا”. وهي نظرة تطبقها في جميع الجوانب عندما يذكر الأخوة العرب أو الأفارقة المقيمين في مصر فلا تستخدم كلمة لاجئ او مهاجر بل ضيفًا مرحبا به في كل الأوقات.
حقيقة لا يوجد تعريف صريح لكلمة مهاجر أو لاجئ في القانون المصري ولا حتى خيام ولا أي شكل من أشكال الإقامة المؤقتة بل ان كل القادمون الي مصر يختلطوا وينسجموا بين المواطنين المصريين لدرجة يصعب تميزها عندما تسير على الاقدام في شوارع المحروسة.
إن اللاجئين في مصر بعضهم مسجل وبعضهم لا يعلم للمفوضية الأممية سبيلًا. ولا نعلم إذا ما كانت تلك الأرقام صحيحة أم هي مجرد مسكن لمريض يعاني في صمت. فكل من غادر بلاده بحثا عن الامن والأمان وفارا من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية مُرحبا به دونما النظر الي حالته الإنسانية سوى انه طالبًا للمساعدة. ومع ذلك لم يتم تصنيف مصر من الدول الخمسة الاولي لاستضافة اللاجئين على مستوى قارة أفريقيا. مثلما حدث مع العديد من الدول التي تحصل على المساعدات الدولية بسبب استضافتها لعدد لا يتجاوز ال 30 % من اعداد المتواجدين على الأراضي المصرية. صراعًا يعقبه صراعًا وتقف مصر بجوار كل من يدق بابها طالبا للمساعدة بالرغم من الحالة الاقتصادية التي تمر بها التي تكاد تعصف بالأوضاع الي اتجاهات ربما لن تجود على وضع هؤلاء الضيوف او اللاجئين سمهم ما شئت بالمزيد من الأمان.
لكن يجب الاخذ بالاعتبار بأن ما تؤول إليه الأوضاع هو مزيد من الشتات لهم؛ حيث إن الضغط الممارس علي الدولة من حيث المرافق العامة والمواد الغذائية والمواصلات، وارتفاع معدلات الجريمة والتنافس على الوظائف، قد يجبر مصر تفضيل توفير حياة آمنه لمواطنيها.
تقنين أوضاعهم، خاصة غير المسجلين منهم، أصبح فرضًا أمنيًا لأنه يشكل خطر على الأمن القومي المصري يجب الوقوف عنده مثلما تقف مصر في مواجهة العديد من المخاطر التي تحاصرها من الخارج. ولكن يبقى السؤال الأهم هو إلى أي مدى تستطيع مصر الصمود في ظل ما يحيط بها من مخاطر. وهل سيظل الضيف مرحبًا به إلى الرمق الأخير أم أن “ما يحتاجه البيت يحرم علي الجامع”؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.