د. هاني صبري حنا يكتب | فانوس رمضان المصري .. وحوي يا وحوي

0 273

وحوى يا وحوى اياحه، روحت يا شعبان اياحه، وحوينا الدار جيت يا رمضان، وحوى يا وحوى، تتهادى كلمات الشاعر محمد حلمي المانسترلي، وألحان وصوت المطرب أحمد عبد القادر منذ عام 1937م إلي مسامعنا مع هلال الشهر الكريم، لتضيئ مع أنوار الفوانيس بهجة في وجداننا، وتحيي في ذاكرتنا تراثاً ترسخ فصنع تفرداً وهوية تمكنت من الاستمرار والتجدد رغم تحديات الزمن.
فمنذ عرف المصري القديم التقويم (4243 ق.م) ولديه تقديساً للنور “رع” الشمس، و”خونسو” القمر، واحتفالاً بالشهور القمرية – التي حددها توت أو تحوت الصعيدي ابن مركز أبو قرقاص- كان الأطفال والكبار يحملون المصابيح ويمشون مع القمر مرددين: “واح اي واح اي” بمعنى “اطمن، اهلا” ومنها جاءت “وحوي ي وحوي”، و”إياحه” أصلها “اعح” أي القمر، و”حا” يمشي، ليكون معناها مكتملة “القمر يمشي”، ويرتبط ذلك الأسم أيضاً بالسيدة الأولى للأسرة الثامنة عشر الملكة “إياح حتب” (قمر الزمان) أم البطل العظيم “أعح مس” (ابن القمر) طارد الهكسوس.
أما الفانوس (كلمة إغريقية من الأصل فانس والقبطية فانيس) فيعود ظهوره الأول إلي العصر الصاوي من 700 سنة ق.م عندما كان المصري القديم يحتفل بعيد ” المصابيح” في شهر “كا ها كا” – كيهك (من 10 ديسمبر لحد 8 يناير) حيث تضاء الفوانيس (فخار على شكل كوب أو طبق مزخرف وبه زيت وفتيله) أمام البيوت طوال الليل، وأمام معبد الآله “أوزوريس” في “سايس – صان الحجر” (مركز بسيون بالغربية)، ويؤرخ هيرودوت لتلك الاحتفالات واصفاً: كانوا يضيئون الفوانيس في الهواء الطلق حول البيوت فتتحول سايس الي كتلة من النور.. !!.
وفي سنة ٣٦٢ هجرية (973م) يطلب “جوهر الصقلي” من سكان القاهرة الخروج لاستقبال “المعز لدين الله الفاطمي” على أبواب القاهرة ليلاً عند صحراء الجيزة في الخامس من شهر رمضان، وهنا يسترجع المصري ذاكرته المتأصلة، ويبدأ المصريين باستخدام الفوانيس لإنارة الطريق (وضعوا الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود) فكان المنظر بديعاً جداً، أعجب المعز ووجعله عادة رمضانية مصرية. ويقال في هذا الصدد أن الحاكم بأمر الله كان يمنع خروج النساء طوال السنة، ما عدا شهر رمضان، حيث يسمح لهن بالخروج للصلاة بالمسجد، فكان يكلف غلام بحمل “فانوس” ويعمل “أمشجي” أمام المرأة المترجلة فيعرف الرجال بمرورها، فيفسحوا الطريق.
منذ ذلك الحين أضحت القاهرة مركز صناعة الفوانيس مع توفر الفنان المصري الماهر المشبع بتراثه الأصيل، ومن منطقة “تحت الربع” بالأزهر منذ 1000 سنة ظل الفانوس مظهراً لهويتنا المصرية الرمضانية، من ثم انتقل إلى كل مكان على وجه الأرض يٌحتفل به بشهر رمضان. حقيقة الأمر أن مصر قد نجحت مصر في إضفاء بصمتها الخاصة، وطبعت هويتها البصرية والسمعية على احتفالات العالم بقدوم هلال شهر الخير والبركة. ندعو الله أن يعم السلام العالم، ونحيا جميعاً في محبة وتراحم وكرم بنفحات شهر رمضان الكريم.

* د. هاني صبري حنا، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.