راجي عامر يكتب | معارك وهمية

0 1,442

حالة من الاحتفاء وصيحات “التكبير” تجتاح عدد من حسابات السوشيال ميديا، وحديث عن انتصار إسلامي مزعوم على الغرب حتى تظن إننا قد انتصرنا مجددًا في معركة حطين!
والسبب الإعلان عن حصول فتاة على تصريح بالموافقة برفع الأذان باستخدام الميكروفون في شوارع أحد أحياء مدينة نيويورك خلال شهر رمضان فيما كتبت والدتها (اللهم أعز الإسلام والمسلمين) موضحة اشتياقها إلى صوت الأذان الذي لم تسمعه (خارج المسجد) منذ أكثر من ثلاثة عقود أقامت خلالها في أمريكا، وهو ما يجعل المرء يطرح استفسار -إجابته واضحة- بشأن السبب الذي جعل هذه السيدة تبتعد عن العالم العربي والإسلامي أكثر من ثلاثين عامًا فقد وجدت داخل المجتمع الجديد فرص حياة وتعليم وصحة أفضل!
إن عدم اكتفاء المصليين بصوت الأذان داخل المسجد، ورغبتهم في وجود ميكروفون خارجه، أو تصاعد صوت الأذان في “قلب” أمريكا أو “رئة” أوروبا أو حتى ارتفاع “تكبيرات العيد” من داخل البيت الأبيض لم تكن أمرًا يمكن أن أتوقف عنده أو أجده يستحق الحديث “مدحًا” أو “هَجْوًا” إنما استوقفني رد فعل قطاعات من جمهور السوشيال ميديا التي أرادت تحويل الخبر إلى “معركة وهمية” بهدف التأكيد على وجود “انتصار زائف”.
تحليل مضمون سريع للتعليقات أوضح أن قطاع من الجمهور أراد أن يحول الخبر إلى هزيمة للغرب أمام الأقلية المسلمة بالمجتمع الأمريكي فيما الأمر يمثل انتصار للقيم الإنسانية التي تدفع المجتمعات المتقدمة لتعزيز التعايش مع أصحاب العقائد والهويات الدينية المختلفة، واحترام حق الجميع في أداء شعائرهم، وهي الرسالة التي نحن بحاجة للاستفادة منها داخل واقعنا العربي الذي يذخر بالصراعات الطائفية والمذهبية، فلعلنا نتعلم مما حدث احترام حق الجميع في أداء شعائرهم الدينية، واحترام اختلافاتهم، دونما تضييق أو كراهية أو نبذ أو دعوة للعنف تجاههم حتى إذا كانوا أقلية يمثلون ما يقارب واحد في المائة فقط من السكان مثلما هي نسبة المسلمين في أمريكا.
أما قطاع آخر من الجمهور فقد أساء فهم مضمون الخبر معتقدًا أن الفتاة سوف تقوم بنفسها برفع الأذان -عوضًا عن حصولها على هذا التصريح ليقوم رجل برفع الأذان- ليترك هؤلاء المعركة المتعلقة بالانتصار الإسلامي المزعوم على الغرب ليبدأون معركتهم الوهمية الجديدة والمتعلقة بالتحقير من النساء والإساءة إليهن عبر ترديد عبارات تستهدف الانتقاص منهن على رأسها أن صوت المرأة “عورة” أو إنها أقل وعيًا وإدراكًا من الرجل وذلك على الرغم من أن الآراء الدينية التي أشارت إلى عدم صحة أذان المرأة لم تحقر أصلًا من النساء بل أفردت أسبابها للرفض مثلما أشارت آراء دينية أخرى إلى جواز أذان المرأة لنساء أو لنفسها.
جاءت هذه المحاولات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستغلال القصة كأنها ذريعة أو “حصان طروادة” الذي أخفى ما في صدور البعض من رغبات للإساءة للنساء واعتبارهن أقل شأنا من المساهمة في المجال العام بشكل عام والحياة الدينية بشكل خاص، وهي آراء متشددة تعارض الواقع الفعلي والتاريخي في العصور الإسلامية المختلفة الذي تواجدت خلالها سيدات لعبن أدوار الفقيهات والمفتيات والواعظات والشيخات بداية من القرن الأول الهجري حينما كان يلجأ أهل المدينة إلى “عمرة بنت عبدالرحمن” لمعرفة رأيها في العبادات والمعاملات.. مرورًا بالقرن الرابع الهجري عندما قيل على “أمة الواحد بنت عبدالله الحسين المحاملي” إنها “أحفظ الناس للفقه على المذهب الشافعي” وصولًا للقرن السابع الهجري حينما كان هناك “شيخة للحرم” في مكة المكرمة.. وهكذا على مدار التاريخ كان هناك المئات من النساء اللواتي كان لهن أدوارًا مؤثرة في الحياة الدينية أسوة بالرجال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.