رامي جلال يكتب| هل “لساها ثورة يناير”؟

0 209

خلال حياتي القصيرة، انهيت بكالوريوس العلوم، وليسانس الآداب، ودكتوراة، وأخرى في الطريق، وأربعة ماجستيرات متنوعة، ودبلومات وبرامج متقدمة، ودرست داخل مصر وخارجها. عملت بالقطاعين الخاص والحكومى، وقضيت سنوات في السلطة التنفيذية، وأخرى في السلطة التشريعية، وأتحدث ثلاث لغات… ومع كل هذا، ورغم آلاف المواقف والتجارب و”اللف والدوران”، لم أفهم أبدًا ما هو سبب الشد والجذب الذي يحدث في يناير من كل عام، فـ “كل ما تهل البشاير من يناير كل عام”، على حد قول عمنا أحمد فؤاد نجم، يصاب البعض، في كل اتجاه، بارتيكاريا وحساسية، منهم من يريد انكار الثورة، وتبيان أن اليوم هو فقط عيدًا للشرطة، وأن يناير كانت حدثًا عابرًا غير مؤثر، والطريف أن بعض من يفعلون ذلك هم أنفسهم من منتجات ثورة يناير، التي لولاها ما رأيناهم ولا سمعنا عنهم! آخرون على النقيض يبذلون الغالي والنفيس ليثبتون أننا مازلنا نعيش في أجواء يناير، بل وربما نأكل كشري، أو حتى “كنتاكي” في ميدان التحرير!
نعيش اليوم ذكرى الثورة، فبشكل عام اذكروا محاسن موتاكم! تسلسل أحداث يناير يكشف لنا بسهولة طبيعتها ويوضح أن ما يحدث الآن هو مناقشات طفولية من أناس لا يريدون العمل للمستقبل ويفضلون الظهور الإعلامي والشهرة الزائفة على منطق العقل الذي لو استخدمه الناس لأصبح هؤلاء العابثون أول المنبوذين.
بالمقارنة الساذجة بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو، يحاول البعض إدخالنا في إشكالية “بتحب بابا أكثر ولا ماما”، ونحن شعوب لا تفضل التفكير فما بالك لو كان تفكيرًا مركبًا؛ فمن يحب الأهلي يكره الزمالك، ومن يعشق “أم كلثوم” يبتعد عن “عبد الوهاب” وهكذا، وكأن “ليلى مراد” هي الوحيدة التي تحب اثنين سوا!!
بدأت يناير كمظاهرات عادية. ثم تجلت الأعمال التآمرية المدبرة بوضوح في “محرقة أقسام الشرطة” يوم جمعة الغضب (قد تكون قد انضمت لها بالفعل بعض قطاعات الشعب لكنها بالأساس كانت تدبيرًا دراميًا رخيصًا). وكذلك موقعة الجمل أوائل فبراير الذي أجهض الآثار الإيجابية للخطاب العاطفي للرئيس مبارك. بعدها، وطوال فبراير، كنا بصدد الحديث عن ثورة شاركت بها نسبة بنقاء نفس، ونسبة أخرى بغرض الانقضاض على الدولة باستخدام النسبة الأولى. مثلت ثورة يناير لبعض التيارات كلمة حق يراد بها باطل.
يناير هي ثورة شعبية لم يشارك بها بالفعل غالبية الشعب، وهذا طبيعي في أي ثورة؛ حيث تقوم بها في البداية طليعة من الشعب إلى أن ينضم لها الأغلبية (قارن بين أعداد المصريين في الشوارع يوم التنحي وقبله بيوم واحد). كما أنها لم تفرز أي شيء سيئ ولكنها كشفت النقاب عما كان موجودًا أصلًا، تمامًا مثل رفع غطاء “حلة الضغط” في أثناء طهو الطعام.
أخيرًا: لا يجب أن تكون أهم وسيلتي تربح لدينا، لكل الأطراف، هما نفاق ثورة يناير أو شتمها. وعمومًا من غير المهم أن نشغل بالنا بإجابة السؤال: هل: “لساها ثورة يناير؟”، لأن الأهم أن تبقى لساها مصر واحدة، وأن نظل جميعنا بخير وسلام، صامدون تحت راية هذا الوطن الصامد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.