د. محمد علاء يكتب | وقف نزيف الإبداع المصري

0 526

“نزيف الإبداع” في مصر ظاهرة واقعة تحتاج إلى التعامل معها بشكل جدي، استَخدِم هذا المصطلح للتعبير عن ظاهرة خروج المبدعين ورواد الأعمال إما بحثاً عن دول ترعي إبداعهم وتموله مع استمرار عملياتهم في مصر، وهو أمر شائع بين عديدٍ من الشركات الناشئة في عدة مجالات منها التكنولوجيا المالية والمواصلات، أو الخروج بالكامل من مصر بحيث يتم نقل العمليات الإنتاجية ومركز الإدارة إلى دولة أخري.

ينضم نزيف الإبداع إلي نزيف العقول في استنزاف الموارد البشرية والطاقات الإبداعية اللازمة لعملية التنمية، ويشير مصطلح “نزيف العقول” إلى خروج الأشخاص للعمل والإقامة خارج بلادهم الأصلية، خاصة من الحاصلين على تعليم عالٍ، ومنهم بالطبع من يعمل في مجالات نادرة أو تخصصات تحتاج لاستثمارات عالية مثل المجالات الطبية والهندسية.
ومن هنا يحرم نزيف العقول الدول الأقل نمواً من الاستفادة من استثماراتها في البشر، خاصة الاستثمار في الصحة والتعليم، وهو أمر شائع في عدة دول خارج العالم الغربي الذي يشمل الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا الغربية واليابان، حيث تعاني الدول المصدرة للعمالة غالباً من تدني معدلات النمو الاقتصادي أو غياب الحريات العامة.
وبينما يمكن الحديث عن بعض الأوجه الإيجابية لـ”نزيف العقول”، مثل تحويلات العاملين في الخارج أو إيجاد جاليات في دول أجنبية يمكن أن تدعم الدولة الأم، فمن الصعب الحديث عن جوانب إيجابية لـ”نزيف الإبداع”، علي سبيل المثال، يُمثل خروج الشركات الناشئة إلي دول أجنبية لإنشاء مراكزها الإدارية هدراً لفرص هامة لإنعاش بيئة الأعمال ونقل الخبرات وتوفير فرص عمل، إضافة لما يعنيه هذا الأمر من دعم الطرح القائل بضعف الفرص الاستثمارية والمناخ الملائم لتشجيع القطاع الحاص في الدول الطاردة لشركاتها الناشئة.
تأتي دول مثل أسبانيا والإمارات العربية، تحدياً إمارة دبي، على رأس المستقبلين لفتح مراكز الإدارة للشركات المصرية الرائدة، هذا إلى جانب مسعي المملكة العربية السعودية لتقديم نفسها كمركز إبداعي في المجالات الفنية وقطاع الأعمال، وهو ما يفتح مجالات للتنافس الإقليمي في هذا المجال.
تتعدد الأسباب المؤدية لظاهرة نزيف الإبداع المصري، خاصة فيما يتعلق بخروج الشركات المصرية الريادية خارج البلاد، منها ضعف التمويل عالي المخاطر venture capital للشركات الرائدة، حيث تحتاج هذه الشركات إلي تمويل خاص يسمح للجهة الممولة بالاستثمار في مبادرات جريئة ترتفع فيها احتمالات الفشل، بينما قد يؤدي نجاحها إلي تحقيق أرباحاً طائلة، بل وإحداث تغييرات ثورية في حياتنا اليومية، كما حدث علي سبيل المثال في مجال النقل الجماعي باستخدام تكنولوجيا المعلومات لإدارة هذا القطاع، بما سمح بخدمة شرائح عديدة خاصة بين الطبقات المتوسطة في مصر وغيرها من الدول.
إلى جانب ضعف الاستثمارات، تبرز العقبات البيروقراطية وتعقد النظام الضريبي ضمن أهم الأسباب الدافعة للشركات الناشئة لنقل مقراتها الإدارية، وأحياناً نقل عملياتها بالكامل خارج مصر، وتشمل العقبات البيروقراطية تعدد الموافقات المطلوبة لبدء الأعمال، وبطء الإجراءات، وضعف آليات المحاسبة، بينما يفرض تعقد النظام الضريبي أعباءً على الشركات الناشئة تضعها في موقف يضعف قدرتها على الانطلاق وتوسيع نطاق عملياتها.
لقد اهتمت الحكومة المصرية بريادة الأعمال، وتشجيع الشباب على بدء مشروعاتهم الخاصة، ونشهد اهتماماً بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن هذا الاهتمام يجب أن يترجم إلى تعديلات تشريعية وإصلاحات إدارية تشارك فيها جميع الأطراف ذات الصلة، ولا ينبغي أن نقتصر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فالمبدعين من رواد الأعمال يمكن أن يشكلوا عصباً حيوياً ليس فقط للنمو الاقتصادي ولكن للتأثير والريادة الإقليمية والدولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.