سنية الحسيني تكتب | الاتحاد الأوروبي والكيل بمكيالين (1-2)

0 183

كشفت الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة حالياً في أوروبا بالدليل القاطع سياسة الاتحاد الأوروبي التي تكيل بمكيالين، وتميز بشكل صارخ لصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين. وتعد هذه السياسة انحرافاً صريحاً عن قيم الاتحاد وأهدافه التي طالما تغنى بها. وتبدو الصورة أكثر وضوحاً عندما يتم مقارنة الآلية الذي تعامل بها الاتحاد في استقبال اللاجئين السوريين بعد اندلاع أزمة بلادهم خلال منتصف العقد الماضي، واللاجئين الأوكرانيين الذين توافدوا إلى دول الاتحاد بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية.

تعامل الاتحاد الأوروبي مع الصراع الروسي الأوكراني والصراع العربي الإسرائيلي على جانبي نقيض. في الصراع الأول، منح الاتحاد الأوكرانيين دعمه المطلق، بينما شن هجوماً سياسياً ودبلوماسياً على الجانب الروسي المعتدي وفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية هي الأشد في تاريخها. على الجانب الآخر، اكتفى الاتحاد بشعارات تؤكد اقراره بحالة الاحتلال التي يرزح تحتها الفلسطينيون وبحقهم في تقرير المصير، الا أنه منح الفلسطينيين دعماً مالياً مشروطاً باستجابتهم لمعطيات العملية السلمية التي رسمتها واشنطن، وقبلت بها إسرائيل شكلياً للمماطلة وكسب الوقت لتحقيق أهدافها في الأراضي المحتلة. وفي ذات الاطار، يرفض الاتحاد في بياناته ممارسات إسرائيل الاحتلالية والتوسعية، الا أنه عملياً يعد حليفاً وشريكاً لإسرائيل في مجالات متنوعة منها المجال العسكري.

بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، قدم الاتحاد الأوروبي دعماً مفتوحاً لأوكرانيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية والمالية والعسكرية والاستخبارية، واعتبر أن الإجراءات التي تهدف لتغيير حدود الدول لا مكان لها في القرن الـ 21، وأبقى الاتحاد مؤسساته الرئيسية في حالة انعقاد دائم. وحصلت أوكرانيا في عام واحد على مساعدات غربية مالية وعسكرية تراوحت قيمتها ما بين 120 الى 150 مليار دولار، ثلثها ذهب للاحتياجات العسكرية، بالإضافة إلى دعم أوروبي مفتوح لاستيعاب ودعم اللاجئين الاوكرانيين. ونجح الاتحاد بمعاقبة روسيا بقسوة، فجاء ردها المباشر والسريع بفرض عقوبات اقتصادية تعد الأشد عالمياً، كما فرضت عقوبات عسكرية وحظر للمجال الجوي الأوروبي على روسيا ومنع وصول السفن الروسية لشواطئها. وتخلصت دول الاتحاد من اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية بسرعة خاطفة، وهي رغبة أميركية لم تخفها واشنطن، رغم التكلفة الاقتصادية التي وقعت على كاهل أوروبا، وخطر الدخول في حالة ركود.

منذ أوائل البيانات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي حول موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي وحتى اليوم، لم يتغير موقف الاتحاد المعلن، الذي أقر بوجود احتلال إسرائيلي لأرض عربية، واعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأدان بناء المستوطنات اليهودية، الا أنه في ذات الوقت حافظ بالتوازي على موقفه الداعم لحق إسرائيل في الوجود وحقها في الدفاع عن نفسها، في الأراضي المحتلة. وتبلور الدور الذي يلعبه الاتحاد، ورغم تأكيده على حالة احتلال ظاهر في فلسطين، بثلاثة معطيات، التعامل بتصريحاته مع الفلسطينيين والإسرائيليين بالتساوي، بدعوتهما مثلاً لضبط النفس، و»عدم استخدام العنف ضد المدنيين الذي ترتكبه جميع الأطراف» على ذات الأرض المحتلة من ناحية، واستخدام المال المقدم للفلسطينيين، للضغط عليهم سياسياً، كما حدث على سبيل المثال عندما قطعت أوروبا مساعداتها المالية عن الفلسطينيين وشاركت في فرض حصار اقتصادي عليهم عندما شكلوا حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007، كما قطعت تلك المساعدات مؤخراً لإرغامهم على تغيير مناهج التعليم، التي يعتبرها الاحتلال أداة تحريضية، من ناحية ثانية، والاحتفاظ بعلاقة تحالف وشراكة متعددة الأشكال وعالية المستوى مع إسرائيل، من ناحية ثالثة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.