عبدالله بير يكتب | الحرب الأوكرانية و عصر جديد

0 243

هناك سؤال يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الحرب الروسية الأوكرانية، هل هذه الحرب بداية حقبة جديدة في تاريخ البشرية، بعبارة أخرى، هل يُشرف العالم على حقبة جديدة بعد هذه الحرب؟ ولو أنه من الممكن النظر إلى هذه الحرب مثل أي حرب أخرى حدثت بين البشر عبر التاريخ، فهي نتيجة طبيعية لاختلافات في وجهات النظر بينهم وصلت إلى حد الاقتتال لإثبات هذه أو ذاك، وإذا كانت الجواب هو نعم، سيقودنا هذا إلى طرح المزيد من الأسئلة الأخرى أكثر موضوعية، مثل ما هو الدليل على ذلك؟ أو ماهي ملامح هذه الحقبة أو هذا العصر الذي يبزغ مع هذه الحرب الدموية؟ أو كيف ستبدو خريطة العالم بعد أن يهدأ غبار هذه الحرب؟
بالنظر إلى مسار الأحداث التي أدت إلى نشوب هذه الحرب و التي تزامنت مع الحرب، فإن الأمر مختلف تماماً، الأسباب التي أدت إلى نشوب هذه الحرب كثيرة و معقدة ويحتاج المرء إلى الإلمام بالعديد من الجوانب التاريخية و السياسية و الاقتصادية و حتى الفكرية التي ادت إلى نشوء هذا الصراع، السؤال الذي يُطرح هنا، كيف ستكون خريطة العالم بعد هذه الحرب؟ ما هو مصير الدول الصغيرة التي كانت يوماً ما جزءاً من إمبراطوريات كبيرة؟ للإجابة على هذه الاسئلة و غيرها، ستظهر لنا ملامح العالم الجديد، أو سيكون لدينا خريطة جديدة للعالم التي ستظهر بعد هذه الحرب. بحسب المعطيات فإن نتائج الحرب ستكون لصالح روسيا، لأن الاختلاف في موازين القوى و جميع القدرات البشرية و المادية يشير إلى ذلك. قد يتساءل البعض ما هو دور المساعدات الخارجية، و خاصةً المساعدات الأوروبية و الأمريكية لأوكرانيا، في تغيير نتائج الحرب، أعتقد أن الاسلحة المرسلة إليها لا تساوي شيئاً، لأن الذي يحسم المعركة بالنهاية هو العنصر البشري الذي يستخدم تلك الاسلحة لأنه لا قيمة للأسلحة إذا لم يكن هناك مَن يستخدمها، وفي هذه الحرب لا يمكن مقارنة الحشود العسكرية الروسية المشاركة في الحرب ضد الجيش الأوكراني و المرتزقة الذين يقاتلون معه، من جهة أخرى، قد يسأل البعض هذا غير صحيح في الحروب الحديثة، إذاً لماذا لم يحقق روسيا النصر بعد أشهر من الحرب، اعتقد أن روسيا تمارس حرب استنزاف للقوات، و لا تريد تحقيق نصر سريع لأن نتائج ذلك قد تكون كارثية لروسيا نفسها،, كذلك تريد استنزاف موارد الدول التي تساند أوكرانيا و خصوصاً في اوروبا الغربية لتحكم سيطرتها عليها فيما بعد، بذلك، مستفيدة من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق و افغانستان، و ما آلت إليه حال قواتها بعد الاحتلال، بعدما بدأت مقاومة في المدن و خاضت تلك القوات حرب شوارع شرسة و تكبدت خسائر فادحة في تلك المعارك، و كانت تلك المقاومة سبباً في انسحاب الولايات المتحدة من كلا البلدين بعد أن عاثت فيهما فساداً و أدى الاحتلال إلى كوارث انسانية.
ماذا سيحدث للعالم بعد سيطرة روسيا على أوكرانيا؟ اعتقد أنه بعد انتصار روسيا في هذه الحرب، يتجه العالم نحو نظام عالمي جديد، نظام مكون من دول كبيرة بعبارة أخرى امبراطوريات صناعية ضخمة تحكمها اوليغارشيات، و تدور في فلكها دولة صغيرة مثل باحات خلفية لها لصرف منتجاتها، وتحصل منها على العمالة الرخيصة، و متى شاءت ضمتها إلى كيانها السياسي، ينقسم العالم بين هذه الامبراطوريات، نشوء صراع ايديولوجي قبل أن تكون صراع اقتصادي سياسي بين الامبراطوريات الشرقية ذات الطبيعة الايديولوجية المحافظة والقائمة على الاسس الدينية و الاخلاقية المحافظة و الامبراطورية الغربية الرأسمالية تدعو إلى التحرر و الليبرالية، و الديمقراطية، و ظهور تحالفات جديدة قائمة على الايديولوجيات مشابهة و محالة كتلة الأوراسية متمثلة بروسيا و صين من قيادة العالم في المرحلة المقبلة، و تراجع دور الامم المتحدة في تخفيف او منع اندلاع الصراعات في العالم. و إن هذه التطورات التي تحدث في العالم الان هي انعكاس طبيعي لطبيعة الاقتصاد العالمي الجديد الذي يرتكز على الشركات الكبيرة و الدول التي تدير هذه الشركات، بهذه الخطوة، تريد هذه الشركات إعادة ترتيب خريطة العالم وفقاً لمصالحها و متطلبات الانتاج و التسويق لديها، مما يؤدي إلى قيام امبراطوريات متعددة الأعراق تحكمها اوليغارشيات على شاكلة تلك الشركات و يحكمها شخص واحد أو مجموعة من اشخاص اغنياء و يملكون تلك الشركات أو لديهم حصة الاسد من اسهمها، فصراع تلك الشركات للسيطرة على الاسواق و منابع الطاقة و مصادر المواد الأولية لا يقودها دولة واحدة إنما كتل من دول تربطها علاقات ايديولوجية و اقتصادية و معاهدات و تحالفات في سبيل حماية نفسها. هناك نقطة اخرى مهمة جداً، وهي قد نتجه نحو مرحلة صراع امبراطوريات مرة اخرى.
تراجع مفاهيم الليبرالية و الديمقراطية و حقوق الانسان، خصوصاً بعد أن فشلت الولايات المتحدة الامريكية في كل من العراق و افغانستان لبناء مجتمعات حرة ديمقراطية قائمة على مبدا المواطنة و تداول السلطة و انسحابها في كلا البلدين، وجودها الاسمي في الشرق الاوسط و دفاعها عن اسرائيل، وثبوت بطلان ادعاءاتها في نشر مفاهيم انسانية في العالم من الحرية و حقوق الانسان و الديمقراطية و خصوصاً بعد فترة حكم الرئيس ترامب و ما حصل من تهديدات على ديمقراطية الامريكية نفسها بعد خسارته في الانتخابات، كل هذه العوامل تدفع دول الشرق الاوسط بالانضمام إلى المعسكر الشرقي، والذي تمثله روسيا و الصين، اللذان يحاولان إزاحة المعسكر الرأسمالي المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية من المنطقة، و النقطة الرئيسية التي تستفيد منها هذه الدول هي أن المعسكر الشرقي يتعامل مع الأنظمة كما هي دون شروط مسبقة كما كان يفعل الغرب و يفرض شروطاً على الدول مثل حماية حقوق الانسان و احترام حرية الافراد و إقامة نظام ديمقراطي قائم على الانتخابات و نقل السلطة بصورة سلمية.
الخطوة الروسية خطيرة للغاية على الدول الضعيفة و الصغيرة و التي تعاني من الاضطرابات سياسية، لان الخطوة التالية، سوف يخطوها دول أخرى، و تقلد روسيا في ذلك، مثل قضية تركيا و ولاية الموصل، والصين و تايوان، وكل هذا سيؤدي إلى اندلاع صراعات دولية جديدة حول تقسيم الامصار و الاقاليم. سيكون سباباً في اعادة تقسيم العالم وفق مفهوم المجتمع المحافظ و المجتمع الليبرالي، وستكون هناك صراع بين هاتين الفكرتين، يقود المجتمع المحافظ روسيا و معها الصين و الدول المتحالفة معهما مثل ايران و دول وسط اسيا، و يقود المجتمع الليبرالي الولايات المتحدة الامريكية و معها اوروبا و الدول التي تنتهج نهجها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.