عبد الحسين شعبان يكتب | أبعاد الفكر الاستشراقي

0 391

كشف إدوارد سعيد المفكّر الفلسطيني إستراتيجية الفكر الإستشراقي قبل ثلاثة عقودٍ ونيّف من الزمن، بأبعاده المعلنة والمستترة، القديمة والجديدة، الآيديولوجية والدينية، الاقتصادية والإجتماعية والجيوسياسية بصورته النمطية أو بمحاولته “تنميط” الإسلام، والنظر إليه وإلى المجتمعات الإسلامية، نظرة تتسّم بالاستعلاء والتفوّق وإنكار الأدوار التاريخية، لاسيّما للحضارة العربية- الإسلامية، التي لعبتها في العصر الوسيط، يوم كانت أوروبا تغطّ في ظلام دامس ونوم عميق، في حين شهد العالم العربي-الإسلامي ازدهارًا وتقدّمًا على جميع الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأدبية والعمرانية.
شخّص إدوارد سعيد على نحو صحيح بعض الأفكار الاستشراقية، التي كانت تستصغر الشعوب والأمم الأخرى بنظرة فوقية، بدعاوى الامتياز العنصري والإمبريالية، مؤسسًا بحق لمنهج نقدي للفكر الإستشراقي بما فيه بعض من كان ينظر إلى الغرب من موقع دونيّ، حتى وإن أراد تجاهله أو مواجهته، وذلك قبل أن يبرز بعض المفكرين الجدد أمثال: برنارد لويس وفرنسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون وغيرهم، الذين حاولوا رسم صورة متخيّلة لشرق له مقاسات تم وضعها على هواهم، لاسيّما وقد دُمغ فيه الإسلام بالتعصب ووليده التطرّف ونتاجهما العنف والإرهاب والتخلّف، وصاحب ذلك صعود موجة من اليمين المتطرف ذات التوّجه الشعبوي، بعد تحلل الكتلة الشيوعية الدولية، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي والتي توّجت حينها بانهيار جدار برلين 1989 وتفكك الإتحاد السوفياتي 1991 وبتحكّم لاعبٍ واحدٍ بالسياسة الدولية هو الولايات المتحدة وتدور في فلكه القوى الكبرى والصغرى، كما ترافق ذلك مع صعود ما سُميّ بـ”الصحوة الإسلامية”، وخصوصًا بعد الثورة الإيرانية 1979، التي أنعشت التوجهات الدينية الإسلامية المتعصبّة والمتطرفة.
حاول بعض المستشرقين وتحت يافطات أكاديميّة تزعم الجديّة والاجتهاد، التأسيس لأطروحة أساسها “شيطنة” الآخر، باعتباره عدوًا ينبغي تطويقه ومحاصرته وحتى القضاء عليه، وهو ما دفع رئيس أكبر دولة في العالم وفي ظرف تاريخي ملتبس، أن يصرح في العام 2001 وبعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية الإجرامية، بأنه سيشّن حربًا صليبية على الإسلام، وإن كان الرئيس جورج دبليو بوش قد تراجع واستدرك باعتبار ذلك زلّة لسان، لكنه كرّر الأمر على نحو أشد بشاعة، خصوصًا وقد جاءت تصريحاته بدمغ الإسلام بالفاشيّة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 2006.
لهذا فإن محاولة تصحيح صورة الولايات المتحدة، التي سعى إليها الرئيس باراك أوباما، خصوصًا في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة مطلع يونيو/ حزيران 2009، ظلّت بعيدة المنال، في ظل التراكمات السلبية النظرية والعملية وبخاصة التجارب المريرة للشعوب العربية والإسلامية ومعاناتها الفائقة من إستراتيجيات الولايات المتحدة، ولاسيّما انحيازها الكامل لإسرائيل.
وتحتاج استعادة الثقة إلى إثبات بالتجربة والبرهان وليس بوعود زائفة أو رغبات دعائية، مثلما تحتاج إلى إقامة علاقات ذات صدقيّة وتوازن ودون تصورات مسبقة وخاطئة ومنحازة، وهو الأمر الذي ساد على نحو صارخ بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وبالتالي التخلّص من بعض البؤر والنتوءات الحادة في السياسة الأمريكية وبخاصة بعد احتلال العراق والإنحياز الكامل إلى إسرائيل وعدوانها المتكرر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.