عبد المجيد إسماعيل الشهاوي يكتب | شرعية حقوق الإنسان

0 439

حقوق الإنسان، بالمفهوم المعاصر، لا تستمد شرعيتها من المواثيق والمعاهدات الدولية ولا من نظيراتها الوطنية. تلك الوثائق تنظم فقط هذه الحقوق وتضبط تطبيقها على أرض الواقع. ولا تستمد حقوق الإنسان شرعيتها من الثقافات أو العادات أو التقاليد أو الأعراف أو غير ذلك كله. فجميع ما سبق قد يحوي الكثير جداً من الخروقات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومجرد أن أتباعها وممارسيها قد ألفوها من طول الممارسة والتقليد عن السلف ومن ثم أصبحت تقليداً متبعاً ولا يستنفر فيهم، أو في معظمهم، أي وخز للضمير. حقوق الإنسان، بمعناها المعاصر وفق القانون الدولي، لا تستمد شرعيتها من الكتب المقدسة ولا من كتب التاريخ، مهما عظم شأن مؤلفوها وواضعوها.
شرعية حقوق الإنسان تأتي من “الإنسان” الفرد ذاته، بصرف النظر عن ثقافته ودينه ولون بشرته ومعتقده، وعمره وجنسه أو أي فوارق ثقافية أو بيولوجية أخرى. هذا يعني القول، وفق التعريف المعاصر لحقوق الإنسان، أن كل “إنسان” هو مساوٍ بالمطلق لكل “إنسان” آخر غيره، وإن اختلف وتباعد بينهما كل ما وراء ذلك. مبادئ حقوق الإنسان المعاصرة قد صيغت في مواثيق ومعاهدات على أساس موحد ومتين هو: كل إنسان مساوٍ لكل إنسان آخر في “حقوق الإنسان”. لكن هناك حقوق أخرى، المواطنة ومباشرة الحقوق السياسية مثلاً، لن يتمتع بها سوى مواطنو الدولة وحدهم ولن يشاركهم فيها كل إنسان آخر حتى لو كان يعيش وسطهم. تلك مسألة منفصلة ولا تتصل بحقوق الإنسان التي نقف أمامها هنا.
الطبيعة هي مصدر شرعية حقوق الإنسان: إذا كان لابد من مرجعية محددة لشرعية حقوق الإنسان، فهي “الطبيعة”، بمعنى الإنسان كما أوجدته الطبيعة، أو كما ولدته أمه. وهو يستمد حقوقه تلك كاملة بمجرد ميلاده على هذا النحو، في أي مكان أو دولة في العالم. إذا قلت كما خلقه الله، مثلاً، أو أي شيء آخر، ستضطر للجوء إلى هذا الإله أو الشيء الآخر الخالق، الأعلم بالضرورة بخلقه، كمرجعية لك لتحديد ماهية حقوق هذا المخلوق الإنسان. وتلك قصة أخرى لن نتعرض لها هنا. حقوق الإنسان بالمفهوم المعاصر تستمد شرعيتها من “طبيعة الإنسان”، غرائزه واحتياجاته الطبيعية الأساسية مثل الحياة والنمو والصحة والمأكل والملبس والمسكن وخلافه. وعلى نقيض الأديان والثقافات الوطنية، تنطلق ثقافة حقوق الإنسان المعاصرة من هذه الغرائز الإنسانية الطبيعية الأساسية لإشباعها وتنميتها وتهذيبها وصلقها بالرعاية والتعليم ثم توظيفها فيما يعود ثانية على الإنسان ذاته بالنفع والفائدة الأكبر، في دورة غير منتهية غايتها المزيد من التطوير والتنمية المستدامة للإنسان ذاته.
قد ترى الثقافات والأديان في الغرائز الطبيعية شهوات وأهواء وقوى شريرة جديرة بالكبت والقمع، لكن حقوق الإنسان تراها طاقات فطرية إيجابية وخلاقة قادرة على الإبداع والابتكار والإنتاج إذا ما توفرت لها وسائل الرعاية والتنمية المناسبة. هذه هي الغاية المحورية لما تسمى في العصر الحالي “حقوق الإنسان الأساسية”.
لا تنتظر سوى الشر من إنسان جائع، محروم جنسياً، جاهل، مشرد، مضطهد، مهان…الخ. وماذا يفعل غير ذلك حتى يبقى على قيد الحياة؟ إذا لم تتوفر للإنسان، أي وكل إنسان، الوسائل والأدوات الكريمة واللائقة اجتماعياً لإشباع غرائزه واحتياجاته وتحقيق طاقاته الطبيعية الأساسية، لن يعدم وسائله وأدواته الخاصة، التي تعمل غالباً ضد المجتمع وربما ضده ذاته أيضاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.