عزالدين معزة يكتب | العلاقات الجزائرية الفرنسية (٢-٢)

0 270

تابع تقرير إذاعة فرنسا الدولية أنه “كان يُتوقَع أن يتم رفض كل مطالب النفاذ إلى الأرشيف القضائي للحرب على الجزائر باعتبار أن الآجال المحدَدة للكشف عنها تصل إلى 75 سنة، ولكن إعلان الحكومة الفرنسية عن استعدادها الفوري لتقديم الوثائق السرية إلى قوات الدرك والشرطة الآن يعني أن الأمر سيكون سابقاً لأوانه بـ 15 عاماً بالتمام والكمال، ما يعني وجود نوايا فرنسية لمصالحة تاريخية، ولها صلة وثيقة بالانتخابات في فرنسا، وذلك في ظل وجود جالية جزائرية كبيرة هناك يطمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى كسب أصواتهم”
الجدل المثار حيال رفع السرية عن أرشيف “الثورة التحريرية” لم يقتصر على أطراف جزائرية، وإنما يشغل حتى النخب الفرنسية، إذ نقل تقرير نشرته إذاعة فرنسا الدولية، على لسان المحامي المتخصص في العلاقات الفرنسية – الجزائرية، جان بيار مينار قوله، إنه “في سياق انتخابي متوتر، يبدو من الصعب على باريس أن تتخذ قراراً بخصوص منح التأشيرات، وهو ما يجعل من أرشيف الحرب على الجزائر المنطقة الوحيدة والمثلى التي تستطيع الحكومة الفرنسية التقدم فيها قليلاً نحو الأمام”
تحت عنوان: “فرنسا تسرع فتح أرشيفها المتعلق بالحرب الجزائرية”، تحدثت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عن حجر جديد على طريق “المصالحة” أو على الأقل محاولة أخرى للتحرك في هذا الاتجاه؛ قائلة إنه على الرغم من النقص شبه الكامل في النتائج في مساعيه “لإصلاح” الذاكرة “المتصدعة” بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا ييأس من تحقيق الهدف الطموح الذي حدده لنفسه بوضع حد لنحو ستين عاما من انعدام الثقة المتبادل بين الجزائر وفرنسا.
ووصفت جريدة “لوفيغارو” الفرنسية العلاقة بين فرنسا والجزائر بالمعقدة وبأنها تسبب تصاعدا منتظما للتوتر على الساحة الدبلوماسية – كما كان الحال مرة أخرى في بداية شهر أكتوبر الماضي، مع استدعاء السفير الجزائري وحظر تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق الأجواء الجزائرية. ولكن تنعكس تداعياتها بشكل رئيسي على المستوى المحلي. فمن جهة، لأن رفض الجار المغاربي استقبال مهاجريه غير النظاميين في فرنسا يمنع عمليات الترحيل إلى الحدود، وبذلك يفاقم تحدي الهجرة بالنسبة لفرنسا – إذ خفضت باريس مؤخرا إصدار التأشيرات إلى النصف كرد انتقامي. ومن جهة أخرى، لأن الجزائر تكرس – بحسب كلمات المؤرخ بنجامين ستورا التي أعاد استخدامها إيمانويل ماكرون – سياسة “ريع الذاكرة” في علاقاتها مع فرنسا، والتي تغذي صعوبات اندماج المواطنين المهاجرين، ورفض الجيل الثالث لأبناء المهاجرين الجزائريين الاندماج مع بعض قيم الجمهورية الفرنسية.
تزوير الفرنسيين لتاريخهم الاستعماري في الجزائر ليس بجديد، وقد يجلب التزوير المتاعب والكراهية، وقصة المصالحة بين البلدين تبدأ عندما توضع الحقائق على الطاولة للتعرّف عليها وتحليلها وتحمل الدولة مسؤوليتها كاملة. أم ان الشجاعة ما زالت تنقص الفرنسيين للاعتراف بجرائمهم الاستعمارية طيلة 132 سنة،
نحن نعرف ان لفرنسا مصالح كثيرة وهامة في الجزائر ولا تريد أن تفرط فيها لكن لا يمكن بناؤها واستمراريتها إلاّ على أساس الحقيقة والثقة المتبادلة بين الدولتين.
نحن نعرف أن الأرشيف الذي يدين فرنسا بارتكابها جرائم ضد الإنسانية في الجزائر ، بحوزة المخابرات والشرطة الفرنسية، لذلك مستبعد أن يضعه النظام الفرنسي بين يدي ماكرون أو حتى للجزائريين”.
أن “فرنسا تستعمل ملف الأرشيف للمساومة والضغط، وأتمنى أن تستعيد الجزائر أرشيفها وتلبى مطالبها، لأنها قادرة على ذلك في ظل تراجع النفوذ الفرنسي الاقتصادي والسياسي في بلادنا”
أن فرنسا ترفض تسليم ذلك الأرشيف بكل مراحله لأنه يدينها أولا، ولأنه “ينسف دعاوى المدرسة الاستعمارية في التنكر للأمة الجزائرية بزعم أنها لم تكن موجودة كدولة قبل دخول الاحتلال”.
كما أن فتح الأرشيف العثماني في الجزائر سيدك أطروحات المدرسة الحضارية الفرنسية في ادعائها تمدين المستعمرات الأفريقية.
لا تزال قضية التاريخ الاستعماري الفرنسي (1830-1962) حاضرة في الذاكرة الثقافية للجزائر، وكذلك في ذاكرة ومشاعر ملايين السكان الفرنسيين الذين تربطهم صلات بالجزائر، ويقول الجزائريون إن الاحتلال الفرنسي لم يخرج خالي الوفاض، بل حمل الجنود الفرنسيون معهم قطعا فنية وكتبا وخرائط تاريخية، وهو تراث وطني ما زال موجودا في الأرشيف الفرنسي حتى اليوم.
وتطالب الجزائر فرنسا باستعادة ذلك التراث، وتقول السلطات الجزائرية إن القوات الاستعمارية أخذت لفرنسا بعد دخولها الجزائر عشرات الآلاف من الوثائق التي تعود إلى الحقبة السابقة على الاحتلال الفرنسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.