فهد المضحكي يكتب | الثقافة الاستهلاكية في المجتمع الرقمي (1-2)

0 169

عرف المجتمع المعاصر تطورًا متسارعًا، هيمن فيه اقتصاد السوق ومنطق الربح السريع على عملية الإنتاج والاستهلاك في أنساقه المتعددة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرقمية؛ وكما كتب الباحث والأكاديمي المغربي المصطفى رياني بموقع ( hesprrss)، أصبحت الثقافة تخضع لقانون العرض والطلب، بالرغم من طبيعتها الرمزيه واللامادية. إنه النظام الرأسمالي الذي أنتج مجتمعا استهلاكيًا في جميع أبعاده. لم يستثنِ شيئًا لتحويلة إلى بضاعة قابلة للتسويق من أجل الربح، مستعملاً التكنولوجيا الرقمية والإعلامية والإعلان للنفاذ إلى جميع البيوت والمؤسسات، لتحقيق هدفه الاستهلاكي بدون أدني اهتمام لطبيعة وخصوصية الخطاب الثقافي عموما والأدبي خصوصًا ودورهما في إشاعة قيم إنسانية رفيعة ومغايرة للنهوض بالإنسان المعاصر. كيف استطاع المجتمع الاستهلاكي الهيمنة والتحكم في الإنسان وتشيىظ ثقافته وعلاقاته الإنسانية وتسليع المعاملات في عالم تحول إلى أرقام ومعادلات في بورصة القيم التي أفرغها الاستغلال والاغتراب من مضمونها الإنساني؟ أية ماهية وغاية بقيت للثقافة والأدب والفن في مجتمع رقمي واستهلاكي فقد بعده الإنساني حين أنتجت الرأسمالية مجتمع الفوارق والاستغلال بقوة القمع المادي والرمزي والدعاية والإعلان والأعلام الرسمي؟
هذا ما طرحه الباحث رياني في رؤيته هذه التي تناول فيها صورة ودلالة الثقافة والأدب في المجتمع المعاصر، باعتباره مجتمعًا استهلاكيًا ورقميًا جعله يتساءل عن أي ثقافة وأي أدب وفن نريد لمجتمع الغد؟ وأي قيم نريد للإنسان حتى يخرج من جحيم التشييء النيوليبرالي، وإعطاء الثقافة وظيفتها الحقيقية كرافعة أساسية تسهم في تنمية المواطن والنهوض بأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية.
انتقد الفيلسوف الألماني هربرت ماركوز المجتمع المعاصر في كتابه «الإنسان ذو البعد الواحد»، مبينًا كيف استطاع التقدم الصناعي والتكنولوجي التقني استغلال الإنسان المعاصر والسيطرة على الفرد وإخضاعه وحرمانه من حريته وسعادته التي أسس لها فلاسفة متنورون في عصر الأنوار. واعتمادًا على تحليل اجتماعي ونفسي، بين الكاتب كيف تعتمد الطبقات الحاكمة في الدول الرأسمالية على عقلانية مزيفة ومنقوصة انحرفت بالعقل نحو الأحادية وخدمة مصالحها الخاصة باعتماد التقنية والتطور التكنولوجي والوفرة في الإنتاج والاستهلاك من أجل الربح المستمر، وأدى ذلك إلى استغلال في العلاقات الاجتماعية ليصبح الإنسان مستغلاً ومستلبًا في المجتمع؛ لأن الرأسمالية لا تنتج سعادته، بل على العكس تنتج شقاءه الدائم لأن كل شيء في هذا المجتمع تحول إلى بضاعة وعملية تسليع مستمرة. وبرأيه يرجع السبب في ذلك إلى وسائل الإنتاج الثقافي التي تعمل على تنميط الوعي وجعله استهلاكيًا وزائفًا باعتماد الوسائل الرقمية والدعاية والإعلان التي تنتج خطابًا ثقافيًا، لفرض نوع من الاحتياجات الموجهة، عوض أن تكون نابعة من إرادة المواطن وضرورياته. بهذا الشكل، تعمل الآلة الإيديولوجية على تسليع الإنتاج الثقافي؛ فيفقد الأفراد إمكانية التفكير النقدي، ويتحول الإنسان إلى أحادي البعد يحمل وهم الحرية الاستهلاكية عوض عن الحرية الحقيقية. كما يتوهم الحرية في قدرته على الاختيار بين السلع والبضائع والخدمات، ويعيش في واقع خيالي استهلاكي عوض واقع حقيقي. وحسب هربرت ماركوز، يتحول الإنسان إلى شكل من أشكال الاغتراب نظرا لفقدانه الإرادة والحرية الحقيقية، ويعيش بذلك في دوامة الوعي الزائف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.