كريمة حسين تكتب | أكتوبر .. تاريخ يمهد للمستقبل

0 291

إن لكل أمة تاريخها الذى تعتز به ويميزها عن غيرها من الأمم ، وتتوارثه الأجيال وتتدارسه كأحد أهم فروع المعرفة الإنسانية ، فالأمة التى لا تعرف تاريخها أمة بلا هوية ، فمعرفة الإنسان لتاريخه وهويته من أكثر الأشياء التى تساعده على تحديد إتجاه مستقبله الذى يريده ، كما أن معرفة التاريخ تساهم بدور كبير فى التنشئة الإجتماعية والوطنية والتربية السياسية والقومية للشعوب، فقراءة التاريخ والوعى بأحداثه هو مفتاح الشعوب لتعزيز ثقتها فى نفسها وتحصينها ضد أى أختراق فكرى. ويقال أيضاً أن الشعب الذى لا يعرف تاريخه وماضيه لا يمكن أن يستكشف مستقبله ،فمعرفة التاريخ والاستفادة من دروسه ركيزة أساسية للنهوض بالأمم و بالأوطان ،فالمستقبل لا يأتى فقط متأثراً بالماضى وأحداثه بل يأخد منه أساس يُبنى عليه ،والعالم كله والدول الكبرى تدرس التاريخ لتتعلم من ماضيها و من التجارب التى مرت بها ، فالتاريخ ليس مجرد أحداث تُروى للنتفاخر بها فقط، لكن نحن فى حاجة دائمة لنستذكرالماضى ونغوص فى دروبه لكى نستخلص منه الخبرة والدرس من واقع تجاربنا وظروفنا ،وقد قرأت كل ما وقع فى يدى من كتب ومقالات كثيرة عن حرب أكتوبر و عن كيف تحقق الإنتصار فى تلك المعركة التى تعد واحدة من أكبر معاركنا فى التاريخ العسكرى الحديث ،ووقفت عند تلك الكلمات التى قالها الرئيس السادات فى بيان له فى ٢٨ ديسمبر سنة ١٩٧٢ ” أيها الأخوة والأخوات – فإننى أقول لكم بأعلى صوت ، وبكامل المسئولية ، ان باب المعركة هو باب المستقبل ، وليس هناك طريق أخر ،فتلك الإنطلاقة القوية لمصر فى معركة أكتوبر جاءت محملة بطاقة محفزة لتلك الأجيال التى عايشت تلك المعركة، فلا سبيل غير الحرب للإسترداد الأرض وبناء المستقبل.. فكان الدرس من تلك الكلمات أن المستقبل دائماً الذى نتطلع له يتطلب منا العمل والإستعداد للتضحية والعطاء.
إن معركة أكتوبر التى مرت عليها سنوات عديدة ،حيث نحتفل باليوبيل الذهبى لها هذا العام ، أى مرور خمسين عاماً عليها والتى ستظل علامة مضيئة فى تاريخ بلدنا وتاريخ العسكريّة المصرية مليئة بالإنجازات والإنتصارات والدروس والعبر التي نتعلم منها حتى اليوم، فبرغم مرور تلك السنوات العديدة على هذه المعركة وهذا الحدث ، ما زال الحديث عن أكتوبر لم ينته ، وما زال العالم يقف منبهراً ومتذكراً لأحداث تلك المعركة العظيمة ؛وقد لا يعرف جيداً جيل الشباب الحالى أن نصر أكتوبر ليس مجرد إنجاز حققته العسكرية المصرية لتحرير أرض مغتصبة ، بل كانت حرب إستعادة ثقة وإثبات للذات بعد هزيمة فرضتها ظروف سياسية أنذاك ، معركة أكد فيها المصرى قدرته الحقيقية على الإنتصار لقضية بلده مستعيناً فقط بالله وبعمله الذى إتسم بالدقة والإتقان والإلتزام ومستخدماً فيه التفكيرالعلمى فى التخطيط والتنفيذ العملى الذى مكن من تحقيق النصر ببراعة وبمهارة جيدة والتى فاقت كل التوقعات وقتها.
ان هذا التاريخ وتلك المعركة التى خرجت منها مصر بدروس هامة ،وتعلمنا منها الكثير ليس فقط فى معاركنا العسكرية وإنما فى كل معارك الحياة ، هى ملحمة سطرها جيل من العظماء رفض الهزيمة والاستسلام لأى قوة انتزعت منه مالا يحق لها ،فحقق النصر وإسترجع حقه فى أرضه ، وكان الدرس الأول والأهم من هذه المعركة هو أن النصر والنجاح يأتى أولا من القدرات البشرية قبل القدرات المادية ، وإن ما تمتلكة أى دولة من عتاد وسلاح مهما كانت قوته وإمكانياته لن يحقق نصراً أوإنتصاراً لقضية دون الإيمان بها إيماناً صحيحاً يجعل صاحبها يحمل فى داخله العزيمة والإصرار والتصميم والتحدى القائم على أساس من الإجتهاد والسعى والتفاني الذى يمكنه من الانتصار لتلك القضية.
أن معركة أكتوبر التي حققت فيها العسكرية المصرية هذا الإنتصارالعظيم قد أتت بواقعاً جديداً للعالم كله لم يكن موجوداً قبل هذا الحدث وهى أهمية قوة وإرادة ومهارة وأداء الإنسان التى أصبحت أهم وأقوى من أمكانيات وتكنولوجية الاسلحة الفتاكة التى يواجهها .. حيث أن معركة أكتوبر جاءت فى وقت كان العالم ينتقل بين مرحلتين لتطور الاسلحة وتكنولوجيتها ،، وكان العدو يراهن على عدم قدرة المقاتل المصرى على التعامل مع هذا النوع من السلاح لحداثته وإمكانايته التى تفوق قدرات السلاح الذى كان بين يديه ولكن بتحقيق ذلك النصر، أثبت الجندى المصرى الذى كان بمثابة إعلاناً للعالم أجمع إننا المصرىين نملك القدرة على الانجاز والإنتصار ومواجهة الصعاب ما دمنا قررنا ذلك ، واليوم علينا أن نربط ماضينا بحاضرنا ومستقبلنا
فمصر تعيش مرحلة جديدة وفارقة فى مستقبل ذلك الوطن ، مرحلة تسعى فيها للتنمية الشاملة والبناء والتحديث لكل قطاعات العمل الوطنى والحياة بشكل عام ،تلك المرحلة التي تحمل شعار ” الجمهورية الجديدة ” مرحلة تتغير فيها ملامح العمل والبناء فى الدولة المصرية لتصبح ملامحها حديثة وعصرية ومتطورة وتنتهج فيها سياسة جديدة للبناء والتنمية بما يتماشى مع المتطلبات المتجددة والمستحدثة التى تحتاجها مصر وشعبها ،حيث أن قضية البناء الداخلى وتحدياته هى الأولوية الكبرى للدولة المصرية فى هذا الوقت ، وأن العمل على تخطى العقبات والصعوبات التى تواجه مسيرة التنمية فى مصر يحتاج إلى تضافر الجهود والعمل المتكامل من كل عناصر الدولة المصرية قيادة وحكومة وشعبا لتحقيق أهداف الدولة وطموحات الشعب المصرى ، فعلينا أن نستفيد من نموذج أكتوبر بإعتباره نموذجاً ناجحاً ونجعله نموذج مصر للتنمية فمن نموذج الحرب الذى ساد فيه العمل الجماعى الذى ساد تلك المعركة واعتصرت مصر فيها كل إمكانيات الدولة والفرد لتحقيق النصر ، والذى كان ليس بالأمر اليسير على الفرد ، تأتى مرحلة البناء الحديث الأن بعد عثرات مرت بها مصر فى السنوات الأخيرة ،وفى ظل عالم يموج بصراعات وتغييرات لها تأثيرات علينا وعلى مستقبل التنمية ولكن يظل داخلنا إصرارًا يدفعنا إلى تخطى الصعاب وتجاوز المحن وتحقيق ما نريده لمصر ولنا في الجمهورية الجديدة بالعمل والبناء والتكاتف والعزيمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.