كريمة حسين يكتب | أكتوبر … بين الماضى والحاضر والمستقبل ( ١- ٢)

0 190

“إن أعظم تقدير لحرب أكتوبر المجيدة ليس التغنى بها ، وإنما إستلهام معانيها لكى نحرز فى مختلف مجالات العمل الوطنى ما أحرزناه من نجاح فى العمل العسكرى .. ليكن شعارنا دائما أنه ما دمنا قد إستطعنا فى ساحة القتال، فإنه يجب ان نستطيع بنفس المستوى فى كل مجال ؛ فما صنعناه فى مواجهة العدو الشرس الغادر المدجج بالسلاح يستطيع أبناء هذا الشعب أن يصنعوه فى مواقع الانتاج و الخدمات ،لنقهر التخلف و نتخلص من السلبيات الموروثة و نؤكد بالإنجاز أن مصر أكتوبر هى مصر المستقبل”.هذه كلمات الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى قاد هذه الحرب العظيمة يقدمها لنا لتكون حافزا كافيا للمضى والسير فى طريق النجاح و الإنجازات في كل وقت و لكى نتخذه نمطا فى كل جوانب العمل الوطنى معتزين بتاريخ وطننا العظيم والطويل .
إن نصر أكتوبرالعسكرى وإن كان ماضٍ بالنسبة لمصر تاريخاً فهو حاضرها ومستقبلها فكراً وعملاً ، ومخطئ جدا من ينظر إلى أكتوبر على أنه مجرد نصراً عسكريا تغلبت فيه قوة على قوة أخرى ،فالإنجازات العسكرية ليست بعيدة عن العسكرية المصرية والتاريخ المصرى حافل بالإنجازات والإنتصارات منذ قدم التاريخ ، لكن نصر أكتوبر العظيم جاء في وقت كانت مصر تُمتحن إمتحاناً صعباً لإرادتها ولصلابتها ولقدرتها على خوض معاركها بسلاح العصر ،فالنصرالباهرالذى أذهل العالم المعاصر كله، وشهد له خبراء الحرب فى العالم و فلاسفة التاريخ العسكرى بأن حرب أكتوبرغيرت من الأستراتيجية العسكرية فى العالم حتى أصبحت الأستراتيجية المصرية التى نفذت خلالها محل دراسات و تحليلات فى القيادات و المعاهد العسكرية فى الدول الكبرى حتى يومنا هذا ،وهذه المعركة التي حفلت بأعظم نماذج البطولة والشجاعة التى تميز بها المقاتلون من جميع أسلحة القوات المسلحة فى البر والبحر والجو وتكاتفت جهودهم و هم يصنعون لوطننا ملحمة النصر و الذى سيظل علامة بارزة فى تاريخ بلدنا ولفت أنتباه العالم كله حتى الأن لم يأتي مصادفه ولم يحدث في غفلة كما يروج الأعداء، لكنه جاء نتيجة للعمل الوطنى وبالجهود المضنية والصادقة التي تحدت التفوق التكنولوجى الطاغى والحرب الإلكترونية والأسلحة المتطورة والسرية التى جعلت من إسرائيل أن تطلق على نفسها القلعة التي لا تقتحم والأسطورة التي لا تستطيع أي قوة عربية مجابتها ،هذا الغرور الإسرائيلي وجنون العظمة والإستعلاء قابله التخطيط والتصميم والإرادة المصرية ، فلم يكن نصر أكتوبر نصرا سهلاً هشاً بل انتزعته مصر من إسرائيل بجدارة وإقتدار وبضربة قاضية أعادت الحق والأرض لأصحابها ، فالإنتصار في معركة أكتوبر جاء بعد الإيمان العميق بالهدف والإستعداد الكامل للبذل في سبيله بالتفكير المنظم والتخطيط الدقيق والقوى ،كما أن العقيدة القتالية والروح السائدة والمنهج العلمى التي تميزت بها معركة أكتوبر خلقت منه نصراً فريداً ، فهذا النصر جاء بعد ست سنوات فقط من هزيمة يونيو١٩٦٧، فمن قوات مسلحة مهزومة في نظر العالم أجمع ، تتمكن مصر من مواجهة العدو الإسرائيلي الذى بحسب مقاييس وموازين القوى لم تكن الحرب في مصلحة مصر تماما . ليؤكد هذا النصرأن مصر الدولة شعباً وجيشاً تستطيع أن تقهرالمستحيل فعلاً وليس مجازاً.
كانت معركة أكتوبر بدايتها هي حرب الإستنزاف التي كانت بمثابة فرصة كبيرة للإعداد والتدريب ، فيها تم إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بناءً قوياً وحديثاً بالتسليح المتطور وتأهيل وتطوير وتعليم المقاتل المصرى فنون الحرب الحديثة التي مكنته من التعامل مع التكنولوجيا والأسلحة الإلكترونية في أول حرب من هذا النوع ، هذه الحرب مهدت الطريق وأعادت روح الحماس والأمل والثقة في قدراتنا وإرادتنا وفجرت في الإنسان المصرى كل طاقاته ، فلم تكن القوات المساحة وحدها هي التي تقاتل أو تستعد لخوض حرب أكتوبر بل كانت مصر كلها علماء وفلاحين وعمال و مهندسين ومثقفين ع قلب رجل واحد في دعم القوات المسلحة ومساندتها معبرة عن رفضها للهزيمة وإصرارها على تحرير الأرض مهما كانت التضحيات والتحديات ،إن العمل الوطنى والجماعى المخلص الذى تميزت به معركة أكتوبر جعل من النصر نتيجة حتمية لتلك الروح الراغبة في العمل والتقدم وليست معجزة خارقه عن قدرات البشروالتى لا يمكن تكرارها، إنما علينا أن ننظر إليه على أنه منهجاً حقق لنا نصراًعظيماً وعلينا أخذه كنمطاً ومنهحاً في التخطيط المستمر في كافة جوانب العمل الوطنى ومجالاته المختلفة التي تحافظ على هذه المكانة التي تعتليها مصر دائما بين الأمم بإنجازاتها وبإنتصاراتها على مر التاريخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.