محمد أحمد الغريب عبد ربه يكتب | الشفافية .. هكذا تكلم زرادشت

0 294

في كتابه هكذا تكلم زرادشت، يحدثنا نيتشة عن مأساة الانسان، يزيل طبقات الزيف والصراع والمعادلات الحسابية للأقنعة من على الذات الإنسانية، فهو بذلك يصل إلى أعمق نقطة في الانسان، فأحدث انقلابًا كبيرًا في منظومة الاخلاق، وفلسفة المعرفة، وما يعيه الفكر البشري من ترسبات فكرية واخلاقية منذ فجر الإنسانية.
هذه الشفافية المطلقة التي تسيطر على نيتشة في كتابه هذا لا تعبر سوي على بؤس الحياة والوجود، وتؤكد ان كل شيء ملئ بالصراع والزيف والالم، فمثلا يفكك فكرة الصديق او القريب، ويصفه بأنه ألد الأعداء وأفضلهم للاحترام، فأصعب الحروب هي الحرب مع الصديق، ولديه المنطق السيكولوجي المهم، وهذا المنطق كان ممهد لتأسيس علم النفس والتحليل النفسي، ولذا هو يطلق على نفسه اهم خبير سيكولوجي شهدته البشرية.
كان يحتاج نيتشة الي اداة عدمية ضخمة للوصول الي عمق الذات بهذا التصور الجديد والمفزع، ولكنه لا يكتفي عن حد العدمية، فينتقل من هذه النقطة ليصف بؤس الذات الممتدة من مراحل الداخل الي العالم الخارجي، فيؤكد ان الايدولوجيات مثل الاشتراكية والديمقراطية والليبرالية لا تعبر عن الذات البشرية، فهي أفكار حمقاء، فمثلًا الليبرالية تعني المساواة، وهذا مفهوم مغلوط وفق نيتشة فالإنسان الفرد حياته مبنية على الصراع والتنافس، وإذا احتكمنا الي الليبرالية فهو لأهداف سياسية كاذبة.
كما يؤكد أن الديمقراطية أيضًا ضد إرادة الإنسان الفرد، فكل إنسان لديه مساحة من السلطة والإرادة والتفكير والذاتية الفردية، لا يمكن أن يخضع لفكرة الديمقراطية، التي تعني المشاركة والتشاور. فالإرادات ستتصارع بين الشعب والسلطة، ليفوز واحدا منهم بسلطة اتخاذ القرار، فمثلا لا يمكن ان نتخيل وجود ديمقراطية بين شخصين على الأقل، فهناك إرادتين يتصارعان.
بهذه الرؤية النقدية اللاذعة الشاملة الواعية، لا يمكن ان نصف نيتشة بأنه عدمي، او أنه تخريبي، او انه يدعو إلى الحروب والإنسان الأعلى والارتقاء، هو يفكك ويفسر الذات الانسانية وعمقها، وما انتجته من أفكار وفلسفات سياسية واجتماعية واقتصادية، فهو ليس كالفيلسوف هيجل يدعو الي الدولة القومية ونهاية التاريخ بظهور الليبرالية وحرية الانسان، أو ميكافيلي الذي كتب عن خبايا السياسية وأسرار السلطة التحكم.
كل دعواته في هذا الكتاب الي كراهية الصديق، ونبذ المرأة، والانسان الأعلى، والاحتكام الي الشر والصراع ليست سوي تعبيرا عن واقع الانسان وبؤسه، فلا يمكن لكتابة نقدية وشفافة مثل كتابه نيتشة تعتبر دعوة لشيء، فهي يدعو لهذه الاشياء من باب السخرية بهذا الشكل العلني المستفز، وكل هذه الامور البائسة عبر عنها بشفافية وصدق وهو موجودة في الانسان فليس هناك حاجة لكي نؤكد أن نيتشة يدعو اليه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.