محمد أحمد الغريب يكتب| النقد الثقافي في السينما

0 153

يأتي النقد الثقافي كبديل منهجي جديد عن اوجه النقد الادبي والنصي في سياق فلسفات مابعد الحادثة، حيث يهتم بتوضيح واكتشاف الانساق الثقافية المضمرة في النصوص، سواء نص ادبي، او فني، او فيلم او لوحة، فهو يدرس الاشياء في شكلها النصي ويقوم باستخراج الانساق الثقافية المختلفة والمتعددة، ويرتبط هذا النقد الثقافي بالماركسية الجديدة والمادية الثقافية، والتاريخانية الجديدة، والنقد النسوي، وهو يهتم بالنواحي الجمالية والشكلانية والفنية والبوطيقية للنصوص، فهم يتهم بتحليل وتفسير المعايير والسياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاخلاقية، يعنى النقد الثقافي بالمؤلف، والسياق، والمقصدية، والقارىء، والناقد.
فالنقد الثقافي نقد إيديولوجي وفكري وعقائدي، وهو ايضا يدرس الظواهر والحوادث الثقافية المتعلقة بالنصوص كمنح الجوائز وحياة الادباء والشعراء وعلاقة ذلك بنصوصهم، وايضا بتحليل الانساق المضمرة للثقافات والحضارات الكلية وتأثير النصوص الفلسفية والادبية والفكرية عليها، مثلًا معرفة النصوص الفلسفية المسيطرة علي الثقافة الاوروبية في القرن الكلاسيكي.
تخلصت الحضارة الأمريكية من الفهم العملي لديكارت منذ بداية نشأتها حتي الحرب العالمية الثانيه أي في مراحل التاسيس الأولي لها وكان الفهم لديكارت فهمًا عمليًا تجريبيًا وبالنظر سريعًا بشكل بانورامي للسينما الأمريكية تجد أن الوعي بالصورة هو وعي عملي عقلاني برجماتي لا يتمسك بالروح الناقدة العميقة لمنظور الحياة. ورغم تخلص الثقافة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية من هذه الروح الديكارتية العملية والتفاتها نحو فلسفات أورببة مثل البينيوية والوجودية الآن.
مازالت أفكار ديكارت العملية تحلق في السينما الأمريكية وتصنع وعيها بالصورة الذي تتميز بالتفسير العملي والسريع للحياة فالأضواء والشوارع وحركة السيارات والصورة ذات الحركة السريعة والتي تنقل الحدث بشغف تجسيدا لذلك، ولعل النظر إلى أفلام ريدلي سكوت، وبن أفليك وايرفين كريشنر وستيفين سبيلبيرج وبراين دي بالما ومارتين سكورسيزى هي خير دليل علي ذلك.
تعتبر السينما الأمريكية ذات تاريخ كبير، فهي سباقة في هذا المجال، ويعود تاريخها إلى نحو قرن من الزمن، وما يميز السينما الأمريكية أنه أقرب إلى الحياة العملية، وتعتبر واقعية بشكل ما، فهي تنقل الحياة كما هي، فمثلًا الفنون الأمريكية في بدايتها في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، رسم الفنانون الأميركيون المناظر الطبيعية بأسلوب واقعي. ولسهولة السينما والفنون الامريكية واتسماها بالطابع التجاري والشعبي والأقراب إلى الحياة السريعة والأبعاد النفعية المادية واللذية، انتشرت في كل انحاء العالم، حيث تحظى الأفلام الأمريكية بشعبية كبيرة مثل افلام تيتانيك، وذا ماتركس، حرب النجوم، والعراب، وقائمة شندلر، وهناك فنانين وفنانات امريكيين لديهم شهرة واسعة مثل وويل سميث، براد بيت، وجوليا روبرتس ومارلين مونرو، ومارلون براندو وروبرت دي نيرو، وليوناردو دي كابريو.
أذا أعتبرنا السينما خطابًا وتوسعنا في تحليل خطاب ميشيل فوكو، وأنها حقلًا معرفيًا يحفزنا نحو الحقيقة والأثر المعرفى، ندخلها بذلك الي معركة الخطابات التى يعتمد عليها الفرنسى ميشيل فوكو في تحليل الأشياء والمعرفة وتاريخ النصوص والأفكار، وهذا التحليلى الخطابى يتضمن البعد الأركيولوجى المرتبط بالمفهوم العباري واللغوي للسينما، اعتبار الحكاية والسرد بعد لغوى وعباري مباشر، والصوره تتضمن شفرات توحى إلى معانى وأشياء تعتبر البعد الأركيولوجي الغير المباشر للسينما، والأركيولوجى يحلينا إلى الحفر التاريخي لنشوء الشئ والفكرة، فالحكاية السردية بدايتها صامته مباشرة عقلانية صنعت بخطابات وسلطات برجوزاية ثقافية الا الطليعى والنقدى منها مثل أفلام شابلن والاخوان ماركوس وياستر كيتون وغيرهم، وهذه الطليعى هو هامشى لا يمكنه ان يصارع خطابيا الخطاب السينمائي المسيطر الذي يشكل وعى سلطوى ثقافى فنى للجمهور والمشاهدة.
هناك حالة من إخفاء الحقيقة وفقًا لفوكو في التفاعل بين الشئ ومعرفته والذات ما يعرفه الذات الانسانية هي الهوامش والقليل من الصراع بين المعرفة والسلطة، فالسينما تقدم لنا ما تريده السلطة التي تتصارع مع معرفي في الخطاب السينمائي، فهناك حالة من الاثر والبقايا القليلة من الحقيقة، ويصبح الخطاب الطليعي والنقدي خلال الستينيات والسبعنيات علي يد جودار الفرنسي وفيللينى وبيرسون الفرنسي وورواد الواقعية الايطالية حالة كرنفالية تخارجية تنتشر تذوقيا وجماليا وحاله للامتاع الثقافي ومضمونها للحقيقة والمعرفة يتم اخفائه رغم عظمة هذا الخطاب ولكنه يهمش في جوهره ولا يصل كمعنى معرفى ونداء للحقيقة لدي الجمهور، فجودار كان ابطاله في الافلام يصبحون موضة للشباب بشكل خارجى للمعني الجوداري وبعيداً عن المضمون المعرفى، وفيلليني سينماه غربائية سريالية لا يمكن التواصل مع تعقيدها الحلمي والذاتي. ويتم التعامل معها من ظاهرية فاتنازيا ملهمة وممتعة وبها لذة ويعتبر من يشاهدونها انهم مثقفون دون فهم المضمون الحقيقى لها.
فيصبح المشاهد موضوع للتذوق البصري والامتاع الخيالي والصوري، يتم تذويبه في العمل السينمائي من اجل ابعاد اجتماعية وسياسية وثقافية لا يدخل في فهم تراتبيتها أو المشاركه في تحديدها، فالمشاهد ينفصل كوعاء بصري للتلقي عن محاولاته لاثبات وجوده واثبات انه يختار ويحدد ما يؤثر في عالمه الخيالي والبصري، وحتي السينما في بصرية تاركوفسكي الروسي وبيلاتار المجري وحركة الدوجما والسينما المستقلة الامريكية ومنها جارموش تصبح حالة هامشية تبعد عن الاستقبال الامتاعي والكرنفالي للحالة السبعينية والستينية للسينما المختلفة والطليعية، فيتابعها القلة والنخبويون ويصبحوا في اطار المشاهدون المجانين، فهي سينما في وضع عالمى لا يسمح بوجودها، فتهمش وتترك المركز للسينمات أخري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.