ميشيل نجيب يكتب | هل الله محبة؟

0 387

“الله محبة” جملة قصيرة لكنها أكبر حقيقة في حياة الإيمان بالله، حقيقة يتجاهلها الإنسان ويتسلقها إلى أفاق بعيدة من الكراهية، أصبحت هذه الجملة القصيرة جدًا تعبيرًا ساميًا لا وجود له في عالم اليوم، لأنها تعتبر الحد الفاصل بين الإيمان الحقيقي بالله وبين الدين الذي يمارسه البشر يوميًا ويرتكبون باسمه أفظع الخطايا والجرائم وينسبونها دائمًا إلي الدين وعقائده ومن وراء الدين ينسبون كل هذا إلي الله.

لكن الحقيقة التي يبتعد عنها كثيرًا فكر البشر تكمن في فشلنا في معرفة هذا الإله القادر على كل شيء وفي الوقت نفسه عندما يريد التدخل بمحبته لعلاج مشكلة أو مساعدتنا على التصرف بالشكل الصحيح الذي يرضي بها عنا، نصرخ فيه بأعلى صوتنا: أبتعد بعيدًا أنا أعرف أكثر منك ودعني أعالج الأمور بنفسي ودعني أخوض الحروب وأسفك الدماء لتأديب الرافضين لك لأدافع عنك يا الله، يكفيني أنك تجلس في السماء لتشاهد ماذا سأفعل بأعدائك!

بهذه الصورة وذلك التفكير القاصر الذي يسئ إلي الإله القدير يفسر لنا مقدار انفصال الإنسانية عن الإله الحقيقي عندما وضعوا صورة للإله أضعف من الصورة البشرية التي نحيا فيها، مما جعلنا نعتقد في قرارة أنفسنا قدرتنا علي وضع القوانين والشرائع وتطبيقها علي من حولنا بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، ووضعوا لأنفسهم قوانين وشرائع تهدف إلي زرع بذور البغض والكراهية للآخر دون التوقف ولو لحظة واحدة لنتعرف علي هذا الإله الذي صفته الكبرى أنه إله محبة، وهكذا أصبح الدين وسيلة بشرية لرفض محبة وعدالة ورحمة وقضاء الله واستبدلنا الدور الحقيقي للإله بأن أصبح دور ثانوي ربما كما يعتقدون وكما يسلكون في يوم من الأيام سيقرر هذا الإله إزالة الشر والأشرار وإقامة حكم الدينونة علي كل البشرية !

لقد أصبح الإله مجرد صورة رمزية ترتكب باسمه الأديان كل الجرائم التي تؤكد على حقيقة واحدة هي للأسف عجز الإله عن إقامة السلام والعدل ورفع الظلم والفقر الذي تعاني منه البشرية، وظهرت علامة استفهام كبيرة أمام الإنسان: أين الإله الحقيقي من كل ما يحدث؟ وهل إرادة الله أن يدافع عنه البشر بارتكاب الجرائم والشرور حماية له ولأديانه؟ من هو الديان الله أم الإنسان؟ أي عالم هذا الذي فقد عقلانية المحبة وأندفع وراء شهوانية الحقد والكراهية!

يقول لنا العلم إن الأسماك التي تعيش في البحار تتمتع بحاسة تجعلها تتجنب الاصطدام بالأشياء التي تعترض طريقها وتشكل خطرًا لها، أما نحن البشر علي الأرض لم نتعلم بعد كيف نتجنب الاصطدام بالمخاطر الفكرية والانفعالات العدوانية التي تعوق حياة المحبة الحقيقية وليست المحبة الزائفة التي يقوم بها البشر لتحسين صورتهم وصورة الدين وصورة الإله الذين يؤمنون به، معرفة الإله الحقيقي قادرة علي أن تجعلني أحبه وأنفذ وصاياه المحبة والمسالمة الرحيمة، وهذه المحبة للإله ستعطيني القدرة علي أن أتعلم كيف أحب أخي في الإنسانية الذي أراه وأعيش معه وأتقاسم معه الوجود علي هذا الأرض بكل تناقضاتها من خير وشر وكوارث وفيضانات وزلازل وبراكين كثيرًا ما نفشل في الإجابة عن سبب هذه الكوارث التي لا تفرق بين البشر الصالحين أو الأشرار بين الأطفال أو الكبار، يفشلون في الإجابة لأن البرمجة الدينية للعقول ناقصة المعرفة تنسب كل ما يقع في العالم إلي الإله وكان الله بالسر عليم !

إن سلوكنا اليومي وإصرارنا على تطبيق معرفتنا الضيقة عن الله، تضعنا بدون أن نشعر على طريق مضاد لطريق الله الصالح، فهل لنا أن نتواضع ونسعى لنتعلم المحبة من إله المحبة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.