نافذ الشاعر يكتب | الصلاة الربانية وسورة الفاتحة

0 964

تقول الصلاة الربانية:(أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ) (لوقا2/2-4)

وتقول سورة الفاتحة:
1 – بسم الله الرحمن الرحيم
2 – الحمد لله رب العالمين
3 – الرحمن الرحيم
4 – مالك يوم الدين
5 – إياك نعبد وإياك نستعين
6 – اهدنا الصراط المستقيم
7 – صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

إن الصلاة الربانية عند المسيحيين بمثابة سورة الفاتحة عند المسلمين، ولكن بتدبر هذا الدعاء يتبين لنا الفرق بين الصلاة الربانية وسورة الفاتحة، فسورة الفاتحة تبدأ بقوله تعالى: “بسم الله الرحمن الرحيم” أي أقوم بهذا الدعاء مستعينا بالله الذي يعطينا بدون سؤال، وهذا يعني أن الله علمنا الدعاء حتى قبل أن نبدأ الفاتحة..
ثم يقول المصلي: “الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين”
فيذكر المصلي أربع صفات أساسية لله تعالى، وهي: (رب العالمين، والرحمن، والرحيم، ومالك يوم الدين)
بينما المسيح، عليه السلام، يقول في المقابل: (أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ) يعني وصف الله بوصف واحد هو القدوس، وهي تقابل صفة واحدة فقط من الصفات الأربعة التي وصفتها سورة الفاتحة..
ثم تذكر سورة الفاتحة لفظ الجلالة “الله” بينما تذكر الصلاة الربانية لفظ “أبانا” وكلمة أبانا تشير إلى صفة إلهية واحدة فقط، وهي الشفقة والرحمة الموجودة في الأب، مع أن الشفقة والرحمة ليست للأب وحده، بل هي للأم والأخ والمعلم.. لأن كل هؤلاء يتصفون بالشفقة والرحمة..
أما لفظ (الله) فهو اسم جامع لكل صفات الله الحميدة؛ لأن شفقته تفوق شفقة الأب والأم والابن والأخ والمعلم والقريب والناس أجمعين..
أما عبارة “ليتقدس اسمك، ليأتي ملكوتك” فالقداسة يمكن أن تكون حقيقية ويمكن أن تكون غير حقيقية، لأن بعض الناس تقدس الأصنام، وبعض الناس تقدس البقر، وكثير من الناس تقدس بأفواهها فقط.
فكان المفترض أن تقول الصلاة الربانية: (إنك قدوس)، ولكنها قالت “ليتقدس اسمك” أي ليقدسك الناس، مع أن هؤلاء الناس الذين يمارسون فعل التقديس قد يكونوا صادقين أو كاذبين في تقديسهم، لأنه سيكون تقديسا سطحيا وظاهريا فقط..

ثم تقول الصلاة الربانية “ليأت ملكوتك” يعني يأتي إلى الدنيا، بينما تقول الفاتحة “رب العالمين، مالك يوم الدين” يعني القرآن لا ينتظر ملكوت الله على الأرض، بل يعلن أن ملكوته محيط بالدنيا والآخرة.. لأن الملك في الدنيا سوف يزول، في حين أن ملك الآخرة يمتد إلى ما نهاية..
ثم يقول الإنجيل: “لتكن مشيئتك كما في السموات كذلك في الأرض” وهذه الكلمة تتنافى مع عظمة الله وتسئ إليه إساءة كبيرة، لأن هذا الدعاء بمثابة قول الفقير لأحد إذا أعطاه شيئا: “حقق الله رغباتك وأمانيك” أو”نصرك الله على من يعاديك” “أو أعطاك الله كل ما تتمنى”..
ثم يذكر القرآن كلمة لم يذكرها الإنجيل بتاتا، وهي: “إياك نعبد وإياك نستعين” أي أعترف بقدرة الله وأقر بعبوديته.
ثم تقول الفاتحة “اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم” أي على الإنسان أن يقول دائما يا رب عند القيام بأعمال الدنيا والدين، لأن عليه واجبات أرضية وفرائض سماوية كذلك، فأرني يارب في كل عمل من أعمالي أقرب طريق إلى النجاح والفلاح، ولكن الإنجيل يقول: “خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم” وكأنه يعلمهم أن يطلبوا خبز كل يوم، مثلما تطلبه بعض الحيوانات كالقطط أو الطيور، عندما تقترب من الإنسان وهو يأكل فيرمي إليها لقمة لتأكلها وتنصرف..
ثم يقول الإنجيل: “واغفر لنا خطايانا، لأننا نحن أيضا نغفر لكل من يذنب إلينا”
يعني اغفر لنا ما قمنا به من ذنوب اقترفناها وفعلناها، بينما هناك نوعان من الذنوب: فارتكاب الأعمال الخاطئة هي ذنوب، وترك فرائض الله هي ذنوب أيضا، والإنجيل هنا لا يذكر ترك الفرائض التي آمر الله بها، إنما يتحدث عن ارتكاب الخطايا فقط.
أما القرآن الكريم فعلمنا في الفاتحة أن نقول: “غير المغضوب عليهم ولا الضالين” وهكذا أخبرنا أن الإثم نوعان: إيجابي وسلبي، بمعنى أن بعض الذنوب تتعلق بالنواهي، أي تأتي من ارتكاب ما نهى الله عنه، وبعضها تتعلق بالأوامر، أي أنها تنشا بترك ما أمر الله تعالى به، ودعاء الإنجيل يخص الذنوب الايجابية فقط، دون الذنوب السلبية، بمعنى أنه يعلم المرء أن يستغفر ربه بصدد الذنوب التي وقع فيها.

إذن الفاتحة تبدأ بقوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم) يعني أبدأ كل عمل باسم الله الرحمن الرحيم، ومادمت قد بدأتُ عملي باسم الله الرحمن الرحيم، فيجب أن أكون متخلقا ومتصفا بصفات الرحمة التي تتمثل في الرحمن الرحيم.
ثم يقول(الحمد لله رب العالمين) يعني لله الحمد والثناء الذي يستحق الحمد، والثناء والتعظيم.. لأنه (رب العالمين) أي رب الحاضر والماضي والمستقبل ورب الدنيا والآخرة..
ثم يقول: (الرحمن الرحيم) يعني صاحب الرحمة الواسعة لمخلوقاته كلها من إنسان وحيوان وطير ونبات وزرع..
وقد يعتقد الشخص عندما يسمع (رحمة الله الشاملة) قد يعتقد أنه مادام الله ذو رحمة واسعة فليعمل ما شاء من الخطايا والذنوب، وليقترف ما شاء من الآثام والمعاصي لأن (الله محبة) وهو في النهاية يحب البشر، ويغفر خطاياهم مهما كانت..
ولذلك جاء بعد (الرحمن الرحيم) مالك يوم الدين، يعني يوم الدينونة والحساب، لأن هناك يومٌ يقف فيه كل إنسان ليُحاسب أمام الله عز وجل على كل كبيرة وصغيرة..
وهنا يأتي سؤال: كيف ننجو من هذا اليوم يارب؟
فيأتي الجواب: (إياك نعبد وإياك نستعين) يعني لك وحدك العبادة الخالصة من كل أنواع الشرك، وبك وحدك الاستعانة على هذه العبادة، لأنه لا معين إلا الله، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فأسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله).
ثم تقول سورة الفاتحة: (اهدنا الصراط المستقيم) لماذا؟
لأن هناك من يزعم أنه يعبد الله على حق من أهل الديانات الأخرى، ويظنون أنهم على الصراط المستقيم، فقال اهدنا صراطك المستقيم الذي أردته يارب.
وهنا ينشأ سؤال كيف يمكننا أن نستدل على هذا الصراط المستقيم؟ فيأتي الجواب: (صراط الذين أنعمت عليهم) من السابقين الذين كانوا من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.