هاجر محمد موسي تكتب| نظرية الدونات تعالج الاقتصاد

0 140

مما لا شك فيه أن النظام الاقتصادي لأي دولة يهدف إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية باستخدام كافة الوسائل وتطبيق النظريات التي ترفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، وتعمل على رفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
يحدث دومًا تعارض في انجاز الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وخاصة إذا كان بعض الأفراد لديهم هدف تحقيق الثراء المجتمعي عن طريق المشاريع الاقتصادية على نقيض باقي الأفراد ممن لديهم هدف تحقيق المساواة في المجتمع، لأن تحقيق المساواة في المجتمع يؤدي إلى تقليل الثراء لأن كلاهما فرص اقتصادية بديلة. حيث لا توجد طريقة لزيادة رفاهية شخص واحد دون خفض دخل شخص آخر. لذلك تتم المفاضلة في الاقتصاد بين الأفضلية لنمو الكعكة الاقتصادية أو تقسيم الكعكة الاقتصادية بشكل متساوي.
من هنا يأتي الجدال بين الاقتصاديين على منح الأولوية لمفهوم الكفاءة أم مفهوم الإنصاف في تقسيم الكعكة. غالبًا يتضارب مفهوم الكفاءة مع مفهوم الإنصاف بالرغم بإن الاستثمار في الإنصاف قد يكون استثمار في الكفاءة ولكن الكفاءة ترمز لإعطاء كعكة كبيرة نتيجة لصاحب المشروع على نقيض الانصاف الذي يرمز لتقسيم الكعكة بشكل متساوي على كل من ساهموا في ذلك المشروع وهو مفهوم ينحاز للفقراء في المجتمع وله طابع تضامني، لأن المجتمعات التي تهدف إلى أن تكون أكثر عدلًا لا تحقق الكفاءة الاقتصادية وتهدر الموارد البيئة وهو ما تحاول الاستدامة الاقتصادية أن تجد له حلولًا. لأن الدولة لو قامت بزيادة الضرائب على الأغنياء والمشاريع الاقتصادية للإنفاق على الفقراء ستكون نتيجة ذلك خفض حافز العمل لدى الأغنياء وميل الفقراء على الاعتمادية.
ولكن إذا تم تطبيق نظرية الكعكة “الدونات ” والتي تحقق الإنصاف مع الكفاءة وتحافظ على الاستدامة وقتها سيتم إدراج ضرائب الأغنياء من أجل مشاريع تخدم البشرية مثل إصلاح التعليم للفقراء ورفع إنتاجيتهم عن طريق المشاريع والمبادرات التي تهدف للحفاظ على صحتهم وزيادة دخلهم وجعلهم أكثر إنتاجية وقتها سيرتفع حافز العمل وحافز الإنتاجية لكل الطبقات وهو ما تقوم به مصر حاليا لتحقيق الإنصاف والكفاءة الاقتصادية عن طريق الاستدامة الاقتصادية التي تجمع الفرص البديلة مع وتجعلها متحدة لا متضاربة.
جدير بالذكر إنه تم إنشاء مصطلح “اقتصاد الدونات” عن طريق الخبيرة الاقتصادية “كيت راورث” في عام ٢٠١٢ خلال بحثها الصادر عن منظمة أوكسفام بعنوان مساحة “آمنة وعادلة للبشرية ” وقامت بشرحه خلال كتابها الاقتصادي “دونات عام ٢٠١٧ “حيث قامت بتشبيه المجتمع العادل بالدونات” والتي جعلت الجزء الخارجي منها بالسقف البيئي الذي لا يمكن تجاوزه وجعلت بالداخل هو المستوى الاجتماعي الذي لا يجب أن يسقط الناس أدناه، حيث يمكن للناس أن يعيشوا حياة كريمة تلبى فيه احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويكفل تلبية احتياجات كل الأفراد وخاصة الفقراء والمهمشين والطبقات الأولى بالرعاية مع عدم الإهدار للموارد البشرية أو الاقتصادية مع مراعاة البعد البيئي. تتضمن نظرية “راورث” سبعة مبادئ رئيسية تراعي البعد الإنساني وتحقق الإنصاف والكفاءة، “الهدف الأول “هو” تغيير الهدف” على نقيض النظريات الاقتصادية والتي صممت لسنوات على رفع معدل النمو الاقتصادي ولكنها لم تنجح في خفض معدلات الفقر أو تحقيق توزيع عادل للثروات لذلك قامت “راورث” بالتركيز على تلبية احتياجات كافة الأفراد مع الحفاظ على البعد البيئي والاجتماعي.
الهدف الثاني لنظرية الدونات “هو الخروج بنظرية جديدة” والهدف الثالث “الاعتراف بالطبيعة الإنسانية “وكلاهما يشمل الاعتراف بإن الاقتصاد هو جزء من المجتمع وبإن رفاهية وكرامة الأشخاص لا تنفصل عن تحقيق نمو لامتناهي من الأرباح حيث لا يعتبر المجتمع صاحب نمو إذا كانت أفراده تفتقر للعناصر الرئيسية للحياة وهو ما تقوم به مصر خلال مبادرة حياة كريمة ومن خلال منظومة الدعم والتموين للأسر الأولى بالرعاية.
الهدف الرابع “أن يكون النظام الاقتصادي مرن وهو يساهم في تحقيق الهدف الخامس “إعادة توزيع الثروات ” وهو عن طريق إعادة تغيير السياسات والقوانين في مجال الضرائب والأجور والمعاشات والتأمينات الاجتماعية والدعم لضمان حقوق الفقراء وهو ما قامت به مصر خلال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي ساهمت في تغيير نمط العمل ورعاية حقوق العمل كذلك قامت الدولة برفع منظومة المعاشات وزيادة الدعم خلال الأزمة الاقتصادية العالمية.
أما الهدف السادس وهو “التوسع في الصناعة لإعادة الاستهلاك وتقليل المخلفات “حيث توصلت “راورث” إلى أن استخدام الموارد لفترة والتخلص منها فالصناعة تعتبر نظام عقيم لا يولد إلا المخلفات ولكن إعادة استخدام تلك المخلفات في صناعات جديدة يساهم في زيادة الإنتاج والحفاظ على الكوكب وهو أيضا الهدف السابع والذي يهدف للنظر لكوكب الأرض نظرة أكثر شمولية والتحول من المنفعة الفردية إلى المنفعة العامة لكل الأشخاص.
جدير بالذكر بإن أغلب المشاريع والمبادرات في الجمهورية الجديدة تهدف لتغيير الواقع لكافة الأفراد عن طريق رياده الأعمال الخضراء ودعم المشاريع متوسطة وصغيرة الحجم التي تهدف للحفاظ على البيئة بالإضافة لعقد المؤتمرات وعمل الشراكات مع كافة المهتمين بالعمل البيئي للحفاظ على المناخ وتقليل الانبعاثات والتحول في كل القطاعات إلى وسائل صديقة للبيئة وعلى رأسها قطاع الطرق والنقل كل ذلك من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية والوصول بالجمهورية الجديدة لميناء اقتصادي يحقق الكفاءة والإنصاف ويحافظ على الاستدامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.