وليد عتلم يكتب | الوعي بمكافحة الفساد

0 577

مدركات الأفراد للقضايا تختلف باختلاف الثقافة، ودرجات الوعي بتلك القضايا بداية الطريق لحلها والتعاطي معها، هنا تكمن أهمية أن يكون هناك وعي جمعي بقضايا الفساد وآليات واستراتيجيات مكافحته، ومكافحة الفساد قضية مشتركة تشترك فيها جميع مؤسسات الدولة إلي جانب الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، لكن يبقي الطرف الأهم فيها هو المواطن ومدي وعيه بأهمية مكافحة الفساد وتداعياته الضارة على المجتمع والدولة ككل.

قبل 2014 لم يكن لدي مصر استراتيجية موحدة لمكافحة الفساد حتي إصدار تعديل دستور مصر 2014، وقد تضمن الدستور المصري المعُدل عام 2014 فصلًا للهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من المادة 215 حتي المادة 221، تضمنت تمتع الأجهزة الرقابية بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها وتمنح ضمانات واستقلالية وحماية لأعضائها بما يكفل لهم الحياد والاستقلال، وتعين الجهة المختصة رؤساءها بعد موافقة مجلس النواب لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفي أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، وتعد من تلك الهيئات البنك المركزي، والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزي للمحاسبات، وهيئة الرقابة الإدارية، حيث نصت المادة 218 “تلتزم الدولة بمكافحة الفساد وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضمانًا لحسن اداء الوظيفة العامة ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية”.

ولما كان الفساد متطورًا ومتنوعا في أشكاله، فمن الضروري أن تتطور مبادرات وآليات مكافحته، فقد عمدت الدولة المصرية إلي إطلاق المرحلة الأولي من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في ديسمبر 2014 في اليوم العالمي لمكافحة الفساد، ثم المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2019- 2022، وقد اتبعت الدولة من خلال تلك الاستراتيجية آليات غير تقليدية لزيادة الوعي بمكافحة الفساد؛ حيث تم إنشاء “الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد” من أجل تحقيق الأهداف القومية الخاصة بمكافحة الفساد من خلال نشر مفاهيم النزاهة والشفافية، وتدريب الكوادر الحكومية والقطاع الخاص والمواطنين والكوادر الدولية عبر العديد من الدورات التدريبية، كما تقدم الأكاديمية برنامج الماجستير “في الحوكمة ومكافحة الفساد، كذلك تقدم وزارة الشباب والرياضة البرنامج التدريبي القومي “تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد” في إطار تعزيز ثقافة مكافحة الفساد لدي الشباب.

غير أن الإنجاز الأبرز في هذا المجال يتمثل في إطلاق هيئة الرقابة الإدارية، برئاسة الوزير حسن عبد الشافي أحمد، تقرير نتائج متابعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2019 – 2022، تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بنشر نتائج متابعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، في سابقة تدل علي الرغبة الصادقة لدي الدولة ومؤسساتها في التصدي الحقيقي لظاهرة الفساد من خلال الإعلان الصريح عن نتائج التنفيذ للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، أوجه النجاح، وأوجه القصور.
قد جاءت نتائج الاستراتيجية مبشرة من حيث التنفيذ علي أرض الواقع؛ حيث بلغ ما تم تنفيذه من الأهداف والإجراءات خلال العامين الأول والثاني إلي 60.95% من إجمالي الاستراتيجية بمعدل نجاح 85.27%.، وقد استحدثت الاستراتيجية مؤشرا لقياس الفساد هو مؤشر إدراك ومكافحة الفساد الإداري بمصر، وكذلك تم الإعلان عن مدونة سلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة، وقد أشارت النتائج إلي أن مؤشر إدراك انتشار الفساد الإداري عام 2019 انخفض إلي 49 درجة، قياسا بعام 2018 الذي وصل فيه المؤشر إلي 43.5 درجة، وتقيس دلالة درجات مؤشر إدراك الفساد، بأنه يبدأ من “صفر”، ويعني إدراكًا مرتفعًا بوجود الفساد، إلي درجة 100، والتي تعني أن الدولة لا يوجد بها فساد علي الإطلاق، وكشف التقييم كذلك عن تحسن كبير بعد تطبيق “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014 – 2018″، مقداره 17.8 درجة خلال 4 سنوات فقط، ما يعني تحسن غير مسبوق في المكافحة، وانخفاض الفساد بمصر، وبلغ المؤشر العام لإدراك الفساد الإداري عام 2016 نحو 31.2 درجة، ثم 37.3 خلال 2017، و43.5 في 2018، وصولًا إلي 49 درجة خلال 2019.

تلتقي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان؛ في أن للفساد آثار سلبية علي التمتع بحقوق الإنسان، حيث يؤثر الفساد في المجتمع بشكل عام (الأثر السلبي العام)، ويعني ذلك أنه إضافة إلي أثر الفساد علي الأفراد أو المجموعات، ثمة أثر سلبي أيضًا علي المجتمع بشكل عام، سواء كان ذلك علي المستوي الوطني أو الدولي، فالممارسات الفاسدة تصرف الأموال عن التنمية وهو ما يعني إعادة تخصيص الأموال وعدم عدالة التوزيع للموارد، ومن ثم إمكانية إعاقة إنفاذ حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية بفعالية، فالفساد هو العدو الأول للتنمية.

من هنا وبالتوازي مع الجهود الرسمية ودعمًا لها؛ تبدو الحاجة ملحة لتأسيس وتطوير حالة من الوعي الشامل في المجتمع ولخلق بيئة مناهضة للفساد، وكذلك من المهم استنفار صحيح الدين للمواطن المصري، والاستفادة من قدرات ومهارات علماء الدين والوعاظ من الأزهر الشريف والأوقاف، في نشر مفاهيم النزاهة من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية، وكذلك ضرورة تعميم ونشر الفتاوي الشرعية المتعلقة بالممارسات والسلوكيات المرتبطة بأفعال الفساد، إلى جانب إعداد رسائل أخلاقية ودينية تشير إلي مخاطر الفساد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.