ماجد أحمد الزاملي يكتب | الدبلوماسية وتطوير السياسة الخارجية للدول
السياسة الخارجية هي عملية سياسية واعية تنطوي على السعي لتحقيق أهداف معينة قوامها الحفاظ على سيادة الدولة وضمان أمنها القومي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وهو ما يصعب على أية دولة بمفردها توفيره، مما يتطلب سياسية خارجية فَعَّالَةٌ ودبلوماسية نشطة تستطيع من خلالها الحصول على الإمكانيات المطلوبة إما عن طريق إقناع الآخرين بالموافقة على ما تطلبه الدولة من سلع وخدمات للمحافظة على أمنها أو الدخول معها في تحالف أو تعاون يضمن بقاءها وتماسك كيانها. فالسياسة الخارجية هي أحد العناصر الرئيسة المكونة للسياسة العامة للدولة، ومن ثم فهي تحتل موقعا مركزيا في السياسة العامة.
رغم تعدد تعاريف السياسة الخارجية إلا أنها لا تخرج عن إطار سلوكيات الدولة وأنشطتها الخارجية التي تسعى إلى تحقيق أهداف مُسطَّرة سواءً كانت أهدافاً قريبة أو بعيدة الأمد ،وتتميز السياسة الخارجية بالطابع الرسمي والواحد الذي يحدد من يقوم بوضع هذه السياسة كما أنها تتميز بالطابع الخارجي والذي يحدد الجهة التي توجه إليها السياسة الخارجية والتي دوماً تكون خارج حدود الدولة وتتنوع هذه الجهات وفقا لتنوع الفواعل في العلاقات الدولية. السياسة الخارجية للأمة يتم صياغتها وتنفيذها من قبل صانعي السياسة, وبذلك تأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية للأمة ، والبيئة الداخلية والخارجية ، والقيم الوطنية ، وأهداف السياسة الخارجية وقرارات الدول الأخرى وطبيعة هيكل السلطة الدولية ,هذه تُشكِّل عوامل / عناصر السياسة الخارجية.السياسة الخارجية هي الإطار السياسي الذي يحكم علاقة دولة ما بالدول الأخرى، وهي تعكس المصالح الوطنية للدولة وكيفية تحقيقهاً. السياسة الخارجية من أهم مجالات البحث في العلاقات الدولية،لأن من خلالها تتبلور العلاقات بين الدول, والسياسة الخارجية ترسم من قبل أفراد يسمون بصناع القرار السياسي، وهم رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات، وصانع القرار السياسي قبل أن يرسم أهداف السياسة الداخلية والخارجية لبلده يضع نصب عينيه إمكانيات دولته الدينية والمادية والمعنوية والاقتصادية والبشرية، والسياسة الخارجية كمصدر للشرعية في ضوء المصادر الأخرى، كالقيم والتقاليد السائدة في المجتمع والتوجه الأيديولوجي السائد وفاعلية النظام في مواجهة المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية في الداخل. فمتى كانت السياسة الخارجية تعبيرا عن قيم المجتمع وأيديولوجيته السائدة، ومتى كانت امتدادا لسياسة داخلية فعالة ونشطة، فإنها ستضيف إلى شرعية النظام السياسي، خاصة عندما تحقق بعض النجاحات الملموسة. ثم يقوم بإعلان أهداف السياسة الخارجية.
قرارات السياسة الخارجية التي تتصف بالنجاح هي تلك القرارات التي تخطط وتبنى على أسس عملية لكي تصل إلى أهدافها وهي تحقيق المصلحة العامة ورفع رفاهية المواطن وتحقيق الأمن للدولة. السياسة الخارجية هي سلوك صانع القرار , ومن أهم رواد هذا الاتجاه “تشارلز هيرمان”الذي عرَّف السياسة الخارجية بقوله “تتألف السياسة الخارجية من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم والتي يقصد بها التأثير في سلوك الدولة الخارجية “.
السياسة الخارجية لبلدٍ ما هي: جملة من الأهداف السياسية التي تتحدد من خلالها كيفية التواصل بين هذه الدولة ومحيطها، وتتمحور هذه الأهداف بشكلٍ عام حول حماية أمن الدولة وتحقيق مصالحها الوطنية، والفكرية، والإقتصادية، ويمكن تحقيق هذه الأهداف عبر الطرق السلمية والتعاون مع الوحدات الدولية الأخرى، أو عبر الحروب والاستغلال واستخدام القوة. حاولت عدة مدارس وضع مفهوم السياسة الخارجية موضع التحليل والدراسة منذ عدة قرون، وإلى يومنا هذا وقد توصل الباحثون إلى فهمه وتحديد الطرق والكيفية التي يجب اعتمادها لتطبيقه كنظرية لكن بطرق فلسفية مختلفة، واختلفت وجهة النظر إلى السياسة الخارجية باختلاف وجهة نظر المدارس الفكرية. وظهرت الكثير من النظريات كالنظريات الوضعية، ثم البنائية التي تعتبر جسر الانتقال ما بين الوضعية والنقدية، ثم ظهرت النظرية النقدية.
في العلوم السياسية هناك مسؤولية تقع على عاتق الدولة وأخري علي عاتق مراكز الفكر الإستراتيجي وذلك في إطار سبل التعاون وتطوير مراكز الفكر والنهوض بها ،إذ يجب على الدولة أن تقوم بمساعدة مراكز الفكر الإستراتيجي في التغلب على التحديات والعقبات التي تواجهها وزيادة محيط الثقة بين الطرفين كما يجب عليها أن تقوم بالإعلان عن مراكز الفكر الإستراتيجية على أنها مؤثر وصانع مهم من صنّاع السياسة العامة لأن ذلك يدفع الأفراد بالثقة في مراكز الفكر والبحث، وعلي الجانب الآخر يجب على مراكز الفكر أن تكون على قدر من الثقة والثقافة التي تمكنها من مشاركة الدولة في صنع السياسة العامة والتأثير في قراراتها.
تطوير فهم السياسة الخارجية يعد نشاطا مهما يماثل في أهميته أهمية السياسة الخارجية ذاتها، وعلى الرغم من أن التغيرات التي شهدتها العلاقات الدولية قد أدت إلى زيادة وتنوع الفاعلين والقضايا وتعقد العمليات التي ما تنطوي عليها، فإن الكثير مما يجري في الساحة الدولية هو في الحقيقة نتاج سلوك السياسة الخارجية لدولة أو مجموعة من الدول. إن العلاقات الدولية تتكون على الأقل في أحد مستوياتها من شبكة متفاعلة من السياسات الخارجية، كما أن النتائج التي يصل إليها الدارسون يمكن أن تساعد في عملية صنع السياسة. وتوجهات السياسة الخارجية تحكمها عدة محددات ،تنقسم إلى محددات داخلية وأخرى خارجية.
المحددات الداخلية تتعلق بالبيئة الداخلية للدولة، وتتنوع هذه المحددات بدءا من الجغرافيا ودور الموقع الجغرافي في تحديد أهمية الدولة، إلى تنوع الموارد الطبيعية وتوفرها والذي يعطي للدولة قوة اقتصادية في حال استخدامها بشكل جيد،يعطيها القوة والثقة في النفس .ما يجنبها المساومات التي تواجهها في حال الضعف.كما تلعب المحددات الشخصية والمجتمعية والسياسة الدور الهام في توجيه السياسة الخارجية وفقا لأطر فكرية أو إيديولوجية وحتى ثقافية وحضارية وتاريخية.أما المحددات الخارجية فهي في الأساس تتمحور حول النسق الدولي من خلال تعدد الوحدات الدولية والذي من شأنه أن يربط هذه الوحدات ببعضها البعض أكثر، كلما زاد عدد هذه الوحدات .كما أن تفاعل البنيان الدولي وترابط الوحدات الدولية من خلال المؤسسات الدولية وما ينتج عنها من التزامات قانونية وأدبية ،كل ذلك يساهم في توجيه السياسة الخارجية للدول.
السياسة الخارجية للدولة ذات الحجم الكبير لا بد أن تكون مختلفة عن السياسة الخارجية لدولة صغيرة الحجم. إن صانعي السياسة العامة والخارجية للدول ذات الحجم الكبير يحكمون بالتأكيد رغبتهم في أن يكونوا قوى كبيرة في العالم. وحجم الدولة كان وما زال يُمثل عاملاً في السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا ، الصين ، الهند ، البرازيل ، فرنسا وغيرها. الدول ذات الحجم الكبير ، مع بعض الاستثناءات القليلة ، تقوم دائمًا بصياغة واستخدام سياسة خارجية نشطة ، ومن خلال هذه تلعب دورًا نشطًا في العلاقات الدولية. ومع ذلك ، الحجم وحده ليس محددًا مستقلًا للسياسة الخارجية. لا تعتمد موارد الدولة وقدراتها دائمًا على الحجم. إن دول الشرق الأوسط ، حتى مع أحجام صغيرة ولكن بأكبر كمية من الموارد النفطية ، تلعب دوراً نشطاً في العلاقات الدولية. اليابان دولة صغيرة الحجم نسبياً ، ومع ذلك فإن دورها في العلاقات الدولية نشطاً ومؤثراً.