سامي عبد الحميد يكتب | الشخصية في الدراما

0 339

يضع (أرسطو) الشخصية في المرتبة الثانية عند تحديده لمكونات التراجيديا ويبدو لي أن الافضل وضعها في المرتبة الاولى بعد الحبكة لاعتقادي أن الشخصية هي التي تكوّن حبكة المسرحية بأفعالها.
في السرديات عمومًا فإن الشخصية هي شخص موصوف ضمن قصة سواء عن طريق الوصف أو بواسطة الكلام المباشر، وفي الدراما يُشير مصطلح (الشخصية) إلى الشخوص التي يمثلها الممثلون، وفي كلتا الحالتين ليس ضروريًا أن تكون الشخصيات كائنات بشرية بل يمكن أن تكون وسائط حساسة كالآلهة والحيوانات ومخلوقات غريبة وحتى نباتات حية أو حتى مواد منزلية، وفي العديد من المسرحيات الحديثة كمسرحيات تشيكوف فأن الشخصية أكثر أهمية من الحبكة، ومع إن الشخصية مصطلح شمولي فأن معناها يتغيّرَ عبر الزمن وبقي محتواها ملتبسًا.
نفهم الشخصية الدرامية كتمثيل لشخص مفرد سواء كان حقيقياً أم مُتخيلاً. ولكل شخصية سيرة وخصائص ذاتية. جسمانية وسلوكية ولكل شخصية رغبات وأهداف ومعتقدات، قد لا يحددها النص المسرحي بالكامل وقد يجسدها الممثل بأدائه.
إذا كان كل من “اسخيلوس” و”سوفوكليس” و”يوريبيديس” قد كتبوا مسرحيات عن (الكترا) فأنهم أبدعوا ثلاث شخصيات مميزة. ونذكر بأن أية ممثلة تمثل شخصية تلك المرأة ستعطي لها خصائص مختلفة عن تلك التي تعطيها ممثلة أخرى.
أصبح محتوى مصطلح (الشخصية) أكثر وضوحاً في نهاية القرن التاسع عشر عندما ابتدع مؤلفو المسرحيات المُحدثين مثل (أبسن) و(سترندبرغ) و(تشيكوف) شخصيات درامية لها خصائص مميزة ذات دوافع مركبة ومعقدة لها خلفياتها النفسانية المتطورة.
أكدت طريقة ستانسلافسكي على ذلك المحتوى وذلك بدعوة الممثلين إلى ان يبحثوا عن الظروف المعطاة التي تمر بها الشخصيات. وتعرضت تلك النظرة عن الشخصية خلال القرن العشرين إلى هجمات النقّاد الجدد بدعوى أنه لا وجود للشخصيات خارج نطاق النص المسرحي، وبرأيّ النقاد الماركسيين (الشخصيات تتحدد وفق الظروف الاجتماعية الاقتصادية أكثر من الدوافع النفسانية).
يعتقد المنظرون ما بعد البنيويين (بأن الخصائص الذاتية لم تظهر في المراحل السابقة من تاريخ المسرح). هنالك وجهة نظر أخرى حول استيعاب الشخصية كونها نوعية أكثر من أن تكون ذاتية، فالشخصيات ليسوا ما يكونون بل ما يمتلكون من خصائص. على سبيل المثال فقط يتصف الشخص بالشجاعة أو بالخيانة أو بالخسة والدناءة، تبنت المسرحيات الأخلاقية في القرون الوسطى وبشكل واضح المحتوى النوعي ولم يكن فيها معلومات عن الفردية بل اعتمدت على الاسماء المجردة مثل (كل انسان) و (النائب).
بالمثل فأن التقاليد المسرحية تُعّرف عدداً محدوداً من انواع الشخصيات المتكررة، فالمسرحيات الكوميدية الاغريقية قدمت مجموعة من الشخصيات التقليدية مثل (الخادم المراوغ) و(المتحذلق الغبي) و(الجندي المتفاخر)، وهذا ما حصل في مسرحيات فرق الكوميديا دي لارتا في ايطاليا فهنالك (الأرلكينو) و(البانثالون) و(الرونورا)و(الكابيتانو) والمعروف أن هنالك ممثلين متخصصين بتمثيل تلك الشخصيات وانتقلت الشخصيات النوعية إلى القرن العشرين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.