سعد سوسه يكتب | الصراع العماني البرتغالي في شرق افريقيا (٢ – ٢)

0 709

ظلت الآمال تراود البرتغاليين باستعادة ما فقدوه من موانئ ساحل شرق افريقيا ، ولاسيما باتا وتوابعها سيو وفازا ، وفي اوائل عام 1686 ، ارسلوا فرقاطتين من كوا للمشاركة في الهجوم على سيو ، ولكن المهاجمين أحجموا عن تنفيذ المهمة ، حينما شاهدوا سفناً عمانية راسية في ميناء باتا . وبعد اربعة اسابيع ، في نيسان ، جرت محاولة فاشلة دفعت البرتغاليين الى الانسحاب الى كوا .
وما أن علم قائد حصن ممباسا جواو انطونيو برتغال Joao Antones Portugal بمغادرة السفن العمانية باتا ، حتى هاجمها واستولى عليها في 3 آب ( 4 ) .
لجأ نائب الملك الجديد دوم رودريغو دا كوستا Dom Rodrigo Da Costa الى تقوية الوجود البرتغالي في باتا وتعزيزه . وفي كانون الاول عام 1687 ، وبعد أيام من وصول هذه التعزيزات ، ظهر أسطول عُماني من خمس سفن ، على متنها أربعمائة رجل ، قدم من مسقط، إستجابة لطلب النجدة من أهالي باتا ، وتمكن العرب من النزول الى البر .
“ولسبب يعرفه البرتغاليون جيداً ، لم يُبدوا أية مقاومة ، وتنازلوا عن مواقعهم دون القيام بأية ضربة لعدوهم ، ولم يكن لدى جواو انتونس برتغال أيّ خيار سوى العودة بالأسطول الى ممباسا”
ويبدو أنّ الصراع بين بلعرب بن سلطان واخيه سيف ، إنعكس على قضية الصراع العُماني – البرتغالي في شرق افريقيا ، لدرجة أنّ البرتغاليين تمكنوا من إعادة سيطرتهم على مدن محررة ، مثل ماليندي وفازا ولامو وباتة، ومارسوا بحق سكانها اقصى درجات القسوة، كما اتخذ القائد البرتغالي من مسجد باتة مركزاً لقيادته ، وحوّل الكثير من المساجد الى قواعد عسكرية . لكن بعد حسم الصراع بين الشقيقين لصالح سيف ، أعاد العُمانيون تنظيم نشاطهم العسكري ، وحققوا أنتصارات كبيرة .
ففي بدايات عام 1696 أرسل الإمام أسطولاً من سبع سفن حربية ضخمة وعشر فرقاطات ، وحوالي (3000) مقاتل ، لمهاجمة ممباسا ، وبعد سلسلة مناوشات قامت بها السفن العُمانية ، أضطرّ عدد كبير من سكان المدينة الى مغادرتها وبدأ الحصار العربي الطويل الامد لحصن يسوع في 13 آذار عام 1696 .
وفي تلك الأثناء حاول العُمانيون عزل القلعة ، والحيلولة دون وصول المؤن والذخيرة اليها ، فاستبسل رجال المدفعية العُمانية ، وقطعوا طريق الامدادات عن البرتغاليين من الجهة المقابلة للبحر . وفي 22 تشرين الأول عام 1696 توفي قائد الحامية البرتغالية رودريغز سيهو Joao Rodrigues Seho وحدثت حالات هروب عديدة بين صفوف البرتغاليين. وفي 2 تشرين الثاني وصلت تعزيزات عربية من باتا . ورغم صعوبة الموقف ، رفض قائد الحامية البرتغالية الاستسلام لقائد القوات العُمانية، الذي تعهد بضمان سلامته، وحتى بوصول تعزيزات برتغالية من أربع سفن وثلاث زوارق، على متنها (770) رجلاً من السكان المحليين، تمّ جمعهم قسراً ، فإنّ البرتغاليين لم يستطيعوا مواجهة الحصار العُماني .
ونتيجة لقلة الامدادات ، انتشر وباء الطاعون الذي حصد اعداداً كبيرة من المدافعين عن القلعة ، ويذكر كوبلاند : “في كلّ يوم كان يموت ثلاثة أشخاص أو أربعة ، وفي نهاية كانون الثاني عام 1697 ، لم يبق هناك سوى عشرون رجلاً مسلحاً” .
ولتدارك هذه الاوضاع اليائسة في ممباسا ، أرسلت قوة من موزنبيق في 22 آب عام 1697 مؤلفة من (340) رجلاً ، بقيادة الكابتن جوزيف بيريرا دي بريتو Joseph Pereira de Brito الذي وصلها في ايلول من العام نفسه ، لكنه لم يلبث طويلاً حتى توفي في تشرين الثاني
فقد البرتغاليون فرصتهم الاخيرة لانقاذ الحامية المحاصرة ، ففي 19 كانون الثاني عام 1698 ، غادرت كوا قوة امداد بقيادة الكابتن فرنسيكو بيريرا دا سيلفا Francisco Pereira De Silva ، واكتفى قائدها بتوزيع المؤن على المحاصرين وابحر بعدها الى زنجبار ، ومنها عاد الى كوا . وفي منتصف كانون الاول عام 1698 وصلت قوة أخرى من أربع فرقاطات تحمل خمسمائة مقاتل ، لكن بعد فوات الاوان ، فقد كان العلم العماني يرتفع فوق الحامية ، لذا سارعت القوة الى المغادرة نحو زنجبار ، ومنها الى كوا .
كان لسقوط قلعة يسوع أثر كبير في نفوس العرب والمسلمين في عُمان وشرق افريقيا ، اذ عزز تفوق الاسطول اليعربي على الاسطول البرتغالي ، فبعد حصار دام عامين وتسعة اشهر، نجح العمانيون في الاستيلاء على ممباسا .
بعد بلوغ انباء النصر العربي ، الامام سيف الاول ، اصدر اوامره بتعيين ناص بن عبد الله المزروعي (المزروعيون : فرع من بني ياس حكموا ممباسا في شرق افريقيا ، وقد اعتبر كثير من المؤرخين أن بداية حكم هذه الاسرة لممباسا ، يمثل بداية النهاية للسيطرة اليعربية في شرق افريقيا ، اذ استفاد المزروعيون من فترة الاضطرابات والحرب الداخلية في عُمان نفسها والتي ادت الى سقوط دولة اليعاربة ، ليعلنوا انفصالهم عنها بدعوى عدم ولائهم للاسرة الجديدة التي وصلت الى حكم عمان ، ونجح المزارعة باثارة عديد من المدن الافريقية لرفض التبعية للاسرة اليو سعيدية الا انهم فشلوا وظلت على ولائها لعمان تحت حكم اليوسعيدين مثل رنجبار ربات وكلوة وبركة .) ، والياً عليها ، كما أوعز باستثمار هذا النصر في طرد الحاميات البرتغالية كلها من شرق افريقيا . فاندفعت الوحدات العمانية ، تدعمها قوات المتطوعين من ابناء الساحل،
وتمكنت من تحرير بمبا وزنجبار وباتا وكلوة . وبذلك تم طرد البرتغاليين من مواقعهم جميعها الى الشمال من رأس ديلغادو Capa Delgado ، كما هوجمت حامية موزنبيق ، إلا أن الهجوم لم يكن ناجحاً ، كما وافقت مدينة مقاديشو على أن تخضع لحماية الامام سيف ( 5 ) .
وشهد عام 1699 ، محاولة برتغالية لاستعادة ممباسا ، حيث أبحر اسطول برتغالي من لشبونة ، مؤلف من خمس سفن ، ولكنه وصل موزنبيق بعد سقوط حاميتها في قلعة يسوع ، أبحر بعدها متوجها الى كوا .
وفشلت محاولة برتغالية اخرى في 9 كانون الثاني عام 1701 . عندما تحطم الجزء الاكبر من الاسطول المعد لاحتلال ممباسا ، عندما كان راسياً خارج كوا بسبب عاصفة
بحرية (6 ) .
انتهز البرتغاليون الصراع الاسري في عُمان ، وبدأوا محاولات التغلغل في شرق افريقيا، وجاء توجه ملك باتا الى البرتغاليين في كوا لمساعدته ضد خصومه ، فرصة سانحة لهم، فوقعوا معه اتفاقية تسمح لقوات باتا باسناد البرتغاليين لاستعادة ممباسا ، ومنع الصلات البحرية بين العرب وشرق افريقيا .
وسرعان ما وصل اسطول برتغالي في كانون الاول عام 1727 مؤلف من خمس سفن، على متنها (1647) رجلاً يقوده لويس دي ميلو سامبابو Luis De Mello Sampaio الى باتا، وخاض معارك متقطعة مع سفن عُمانية ، وتمكن بعد مرور خمسين يوماً من رفع العلم البرتغالي عليها .
ونجح القائد البرتغالي بعدها من احتلال ممباسا وقلعة يسوع في آذار عام 1728 ، وهكذا أعلن القائد سامبايو عودة الحكم البرتغالي الى مدن الساحل الافريقي .
وتم تعيين سلفارو كيتانو دي كاسترو Silvaro Caetano de Mello de Castros حاكماً على ممباسا مع معسكر من (120) رجلاً ، ولتعزيز السيطرة البرتغالية فيها أرسل نائب الملك في كانون الثاني عام 1730 أسطولاً يحمل (1215) رجلاً

لكن نشوة الانتصار البرتغالي لم تدم سوى عامين ، فقد وصلت سفن عمانية تحمل (700) رجل ، بقيادة محمد بن سعيد المعموري ، الذي نجح في استعادة باتا ، وتحرير زنجبار، وعُين هذا القائد نائباً للامام هناك ، فأضطر قائد الاسطول البرتغالي لويس دي ميلو الى الابحار الى موزنبيق ، وعاد بنهاية شباط مع تعزيزات منها ، في محاولة لاحتلال ممباسا الا أنّ الرياح العاتية أجبرته على العودة الى موزنبيق وتم التخلي نهائياً عن أية أفكار باستعادة ممباسا ، وفي طريق عودته الى كوا تعرض أسطوله لاعصار شديد دمر سفنه بالكامل ، بما فيها سفينة القيادة التي كانت تقله .
ولتعزيز الحكم العربي الاسلامي في شرق افريقيا ، قرر الامام سيف بن سلطان الثاني تفويض افراد الاسر العربية المحلية بالحكم باسمه هناك ، فحكمت أسرة الحارث جزيرة زنجبار، وأسرة النبهاني باتا ، وأسرة المعموري ممباسا، وتلتها أسرة المزروعي .
وفي أواخر عهد اليعاربة أصبحت سيطرة عُمان على شرق افريقيا إسمية فقط ، الامر الذي دفع بوالي ممباسا ، المعين من قبل الامام سيف الثاني سنة 1739، وهو محمد بن عثمان المزروعي ، الى إعلان إنفصاله الرسمي عن عُمان ، حال تولي الامام الجديد أحمد بن سعيد البوسعيدي .
ويعلق باثرست على ذلك ، بأن المزروعيين من الغافريين ، الذين تمسكوا بولائهم التام لليعاربة وللامام بلعرب بن حمير ورفضوا الدخول في طاعة الامام البوسعيدي ، الذي يمثل الكتلة الهناوية . ولكن في مناطق أخرى من شرق افريقيا ، مثل زنجبار التي كان معظم ساكنيها من الهناويين الذين قبلوا الوضع الجديد ، وقد خاض والي ممباسا محمد بن عثمان معارك عديدة ضدها . قتل في أحدها سنة 1745 .
هذا وكان النبهانيون في باتا ، اقوى المنافسين لممباسا ، وظلوا في صراع مستمر معها، ليكونوا أسياد الساحل السواحيلي الشمالي ، في القرن الثامن عشر ، الا أنّ البوسعيديين ، تمكنوا في نهاية المطاف من تعزيز السلطة العمانية في شرق افريقيا .

المصادر
1 . حبيب الحخاني ، دور عُمان في نشاط التجارة العالمية في العصر الاسلامي الاول ، ندوة الدراسات العمانية، المجلد الثالث ، سلطنة عُمان ، 1980 ، ص 61 .
2 . جمال زكريا قاسم ، عُمان في شرق افريقيا (الدولة العمانية في شرق أفريقية) ، ندوة الدراسات العمانية ، م3 ، عُمان ، 1980 ، ص89-90 ،
3 . عامر محمد الحجري ، ، تاريخ العلاقات العمانية – الافريقية ، البحوث المقدمة الى مؤتمر دراسات تاريخ شرق الجزيرة العربية ، لجنة تدوين تاريخ قطر ، ج2 ، الدوحة ، 1976 ، ص785.
4 . صالح العابد ، الصراع البحري العُماني ، ص50 .
5 . رجب حراز ، افريقيا الشرقية والاستعمار الاوربي ، القاهرة ، دار النهضة ، 1968 ، ص39 .
6 . غانم محمد رميض ، الصراع البحري العماني – البرتغالي ، ص90 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.