عبدالله عيسى الشريف يكتب | ما الذي يجرى في السودان؟ (3- 3)

0 353

يتسم المشهد السياسى في السودان بالتعقيد والتشابك الشديد، حيث تواجه البلاد تحديات كبيرة، خاصةً في ظل التحرك العسكرى التي قامت به قوات “الدعم السريع”، والذى تنعكس آثاره السلبية على عنصرين أساسيين، أولهما: على نظام السيادة للدولة السودانية وما يترتب عليه من تداعيات، فيما يتصل العنصر الثاني؛ بتأثيراته السلبية على الاستقرار السياسى في السودان.
وتنطلق خطورة وجود وتحركات قوات “الدعم السريع” من خلال التأثير على نظام السيادة للدولة القومية، حيث عمل تصاعد مثل هذه التنظيمات على تصدع الدولة الوطنية المركزية، وتقويض سيادتها داخليًّا وخارجيًّا، فمن جهة تكسر احتكار الدولة كمحتكر وحيد يمارس العنف بشكل شرعى ينظمه الدستور والقانون ويحتكم إليه المواطنون بشكل سلمى؛ لأنها تتحدى الدولة عن طريق استخدام العنف لفرض قواعدها أو تعزيز أفكارها وتوسيع نفوذها حتى أنه بإمكانها إنشاء مساحة موازية للنظام السياسى القائم، وهذه النشاطات تخلق احتكارًا بديلًا للقوة؛ مما يؤثر سلبًا على إطار الشرعية العامة للنظام السياسي الرسمي المعترف به دوليًّا.
فقوات “الدعم السريع” قد ترفض الولاء القومي للدولة السودانية؛ لأنها تستهدف بناء هيكل مؤسسي خاص بها ذى سمات مغايرة عن المؤسسات الرسمية يرتكز على موارد مالية مستقلة عن الدولة وتحت ولاية أسرة “حميدتي” بشكل مباشر، حيث تعمل على توفير الموارد المالية لتمويل نشاطاتها على حساب استنزاف موارد واقتصاد الدولة؛ مما يفقد النظام السياسي ومؤسسات الدولة قدرتهما على تلبية مطالب المجتمع، ومن ثَمَّ تظهر أزمات الشرعية السياسية والاندماج السياسى.
وبالإضافة إلى ما سبق، يوجد عدد من التأثيرات السلبية التي أحدثتها التنظيمات المسلحة على مستويات الاستقرار السياسى، وفي هذا الإطار فإن ثمة مؤشرات يمكن من خلالها أن نوضح كيف يُمكن أن تؤثر التنظيمات والجماعات المسلحة على أبعاد ومتطلبات الاستقرار السياسي، من خلال إضعاف قدرات النظام السياسي والشرعية السياسية، فنظرًا لتزايد انكشاف سيادة الدولة وتداعي وظائفها الأمنية والتنموية والاجتماعية، فقد أفضى ذلك إلى خلق بيئة مُمهدة لتنامى تأثيرات التنظيمات المسلحة على النظام السياسى وشرعيته، ومن هنا ظهرت قوات “الدعم السريع” في بداية الأمر لمساندة النظام السابق في قمع تمرد “دارفور”، وصولًا إلى تحركاتها الحالية الهادفة إلى التأثير في صنع القرار السياسى، وكذا التأثير على القدرة الاستخراجية والتوزيعية للنظام السياسى، فضلًا عن التأثير على نفاذ القانون والسيطرة الأمنية، بالإضافة إلى محاولات إفشال البرامج الحكومية.
وتهدف الاستراتيجيات السابقة إلى إنهاك قوة النظام السياسى الرسمى ومحاولة توفير بديل لحكم الدولة، إذ تركز على زعزعة درجة الثقة في النظام السياسى ومصداقيته وفاعليته تجاه المجتمع، لا سيما في المسائل الخاصة بالأمن والحاجات الأساسية، وهو ما يُسمى “عملية الاختراق الموازى” والذى يتجلى بمساومة الدولة على الشراكة في وظائفها وإنهاء احتكارها للاستخدام الشرعي للقوة ولتوزيع الموارد، وقد مثلت الحالة العراقية إلى حد كبير مثالًا على تلك الاستراتيجيات، وهو المصير الذي قد يلقاه السودان في حال سيطرة قوات “الدعم السريع” على الموقف، وبما قد يؤدى إلى تحول السودان إلى نموذج الدولة الضعيفة Weak State””، أو الدولة الفاشلة “Failed State”، خاصةً حال تزايد حدة العنف السياسي بشقيه الرسمي والشعبى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.