حسن مدن يكتب | التفاؤل أم التشاؤم؟

0 181

نشأنا على ثقافة الأمل، فحتى لو ضاقت الدنيا بالمرء، فإنه في قرارة نفسه يؤمن «إن بعد العسر يُسراً». هناك حضّ دائم على عدم فقدان الإيمان بأن الأمور، حتى وإن ساءت، فإنها إلى انفراج: «تفاءلوا بالخير تجدوه»، ولا ننسى البيت الشهير في لامية العجم للطغرائي المتوفى سنة 514ه، والتي حاكى بها قصيدة لامية العرب للشنفرى الأزدي، وهو البيت الذي غدا بمثابة حكمة متوارثة: «أعلل النفس بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».
ومن أدبنا الحديث ذاع صيت العبارة البليغة للأديب الراحل سعدالله ونّوس: «نحن محكومون بالأمل، وما يحدث الآن لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ»، والتي وردت في ختام الكلمة التي كتبها بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الموافق للسابع والعشرين من مارس/آذار كل عام، بتكليف من «اليونيسكو» في عام 1996 قبل وفاته بسنة، وبدا ونّوس بهذه الخاتمة كمن يردّ على الدعوات الزائفة التي راجت يومها بنهاية التاريخ.
وعلى هذه الشحنات العالية الداعية إلى التفاؤل والتمسك بالأمل، مهما قست الظروف وصعبت الأمور، سنجد من يقول العكس، وربما تستوقفنا هنا عبارة للبرتغالي خوسيه ساراماغو الحائز «نوبل» للآداب، والذي كتب يقول: «إذا كان ثمّة وسيلة لتحويل العالم نحو الأفضل فهي التشاؤم. المتفائلون لن يغيروا العالم أبداً».
ومن يقرأ جوانب من سيرة وأدب ساراماغو سيعرف أن دعوته للتشاؤم هنا، لا تدخل في خانة تثبيط الهمم، وهو الداعي إلى التمرّد ما جعله محلّ تحفظ من الكنيسة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وحتى السلطات في بلاده أمرت بإزالة إحدى رواياته من القائمة القصيرة لجائزة أدبية مرموقة، ما أصابه بخيبة أمل حملته على مغادرة وطنه والعيش في جزر الكناري حتى وفاته عام 2010.
يمكن أن ندرج مديح ساراماغو للتشاؤم في خانة «التشاؤل»، وهي مفردة لم تكن موجودة في حدود علمنا المتواضع على الأقل في معاجم لغتنا، قبل أن يجترحها الأديب الفلسطيني الكبير إميل حبيبي في روايته الشهيرة: «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل»، في توصيف شخصية بطل روايته، فهو سعيد وأبو النحس في آن واحد، حيث كتب حبيبي: «هذه الكلمة منحوتة من كلمتين: المتشائم والمتفائل.. هذه شيمة عائلتنا ولذلك سميت بعائلة المتشائل».
ويبدو لنا أنه تنطبق على «متشائل» إميل حبيبي حكمة أنطونيو غرامشي التي أعتبرها لنفسي دليلاً، والداعية إلى «تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.