حسن مدن يكتب | عن أي غرب نتحدث

0 212

لا نحسب أن أمة انشغلت بعلاقتها بالآخر، الآخر الغربي، الأوروبي على الأخص، كما انشغل العرب. مضى قرنان، وربما أكثر، منذ أن أصبحت هذه المسألة قيد التداول، من وجهة النظر الفكرية والثقافية نعني، وما زلنا حتى اللحظة نراوح في دائرة السجال نفسها: هل الأخذ من ثقافة وفكر الغرب تغييب أو طمس للهوية القومية والدينية، أم تراه إغناءً لها؟ دون أن نرسو على بر.

المدهش أنه لا أحد يجادل في أمر التقنية المأخوذة من هذا الغرب، الكهرباء والمكائن والآلات والسيارات والساعات والهواتف وما إليها، فنحن نستفيد، أو نستمتع، بكل ذلك دون أن نجد غضاضة في الأمر، لكن ما إن نقترب من الفكر والفلسفة والثقافة حتى ترتعد فرائص الكثيرين.

أستاذ فلسفة عربي كبير هو فؤاد زكريا أبدى دهشته من الانشغال بأمر هذه العلاقة مع أوروبا، موضحاً أن أوروبا تشكّل آخر بالنسبة لبلدان واقعة في الشرق الأقصى، مثل اليابان، التي عانت من انكفاء طويل على نفسها، وتوجس من هذا الآخر، لكنها حين قررت أن تلج طريق النهضة، أخذت من هذا الغرب ما رأته ضرورياً لنهضتها وتقدّمها، دون أن يشكو أحد من تبديد الهوية القومية والثقافية واللغوية للأمة.

ويرى زكريا أيضاً أن التاريخ والجغرافيا يشهدان على أن أوروبا، خاصة تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط، لم تكن آخر بالنسبة لنا، ولم نكن نحن وحدنا من تأثرنا من الآتي منها، علماً وثقافة وفكراً وأدباً، بل إنها نفسها تأثرت بالفلسفة والفكر العربيين في زمن نهضتهما، وحتى لو كابرت أوروبا في الإقرار بذلك، فإن باحثين منصفين فيها يقولون بذلك ويكتبونه.

سيقول قائل: هل ننسى أوروبا التي استعمرتنا ونهبت ثروات بلداننا ونكلت بشعوبنا؟ ونجيب: يجب ألا ننسى أبداً، ولا ننسى أيضاَ أن العثمانيين ارتكبوا بحقنا، وباسم الدين، فظائع لا تقل، لكن علينا، ونحن نناقش العلاقة مع الغرب أن نرى أن الغرب ليس واحداً. ونستعير هنا قولاً من كتاب «تفكيك الثقافة العربية» لمهدي بندق، وجدناه يختصر المسألة بدقة، حين دعا إلى عدم المساواة “بين جنرال موتورز وشكسبير، بين مسلسل دالاس وسيمفونيات بيتهوفن، بين حاملة الطائرات آيزنهاور وفلسفة هيجل ولوحات فان جوخ وبيكاسو”.

نعلم أن المسألة معقدة، أعقد بكثير مما تبدو في القول، فالفعل غير القول، ولكن علينا أن نتعلم من تجارب الأمم التي كانت في حال ضعف مثلنا، ولكنها تغلبت على ضعفها وسبقتنا بأشواط، لأن مفكريها وقادتها لم يشغلوا أنفسهم بنقاشات عبثية، إنما حزموا أمرهم وتوجهوا للمستقبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.