د. وليد عتلم يكتب | 30 يونيو وإعادة هندسة مفهوم الدولة

0 796

ماذا حدث بعد يونيو غير تجسيد إرادة عموم المصريين في مواجهة مخطط الأخونة ورفضه. وهو ما تولد عنه إرادة شعبية حقيقية انتفضت لتقاوم وترفض الفاشية الإسلامية التي مثلتها الجماعة المحظورة. 30 يونيو مثلت تحولاً كبيراً وفلسفة تغيير في مفهوم الدولة، والتحول لدولة الحداثة. على مستوى النظرية التقليدية لعلم السياسة؛ نجد أن عملية بناء الدولة هي مسار سياسي بالدرجة الأولى؛ تختلف مضامينه وأهدافه بحسب القائمين على تلك العملية، أهدافهم ومصالحهم، ومسالكهم وممارستهم السياسية. ما قبل يونيو 2014 كان الولاء أولاً للتنظيم الدولي المحظور، والهدف هو تحقيق مصالح الجماعة في التمكين، والمسلك في ذلك ارتداء عباءة الدين واستغلاله وإقرار مذهب تعارض الولاء للوطن مع الانتماء للدين لبقى الانتماء والولاء دائماً وأبداً للجماعة على حساب الوطن. في المقابل ما بعد يونيو 2014 اختار الشعب قيادة وطنية، ولاءها للوطن والمواطن المصري أولاً وأخيراً.

ثم بدأت دولة 30 يونيو في التأسيس للتحول الكبير نحو الجمهورية الجديدة؛ عبر اتباع مدرسة الحداثة والتحديث لمفاهيم بناء الدولة القائمة على التركيز على المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في عملية بناء الدولة المستندة إلى معايير التحديث، والترشيد، وتعميق ثقافة الجودة في الأداء. حيث تسير الاعتبارات الاجتماعية والتنموية، وعملية الإصلاح الاقتصادي بالتوازي مع الاعتبارات السياسية والقانونية والدستورية، بداية من دستور 2014 وتعديلاته لعام 2019، ثم استراتيجية مصر للتنمية المستدامة رؤية مصر 2030، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وكذلك الاعتماد على مبادئ المؤسساتية الليبرالية الجديدة، والتي تستهدف عمليات هيكلة وبناء قدرات مؤسسات الدولة من أجل توفير المناخ الملائم لعملية التنمية الشاملة، مع التركيز على برامج وسياسات العدالة الاجتماعية.
في علم السياسة المفهوم يؤسس للنظرية، والنظرية هي انعكاس للممارسة؛ لذلك ما بعد يونيو 2014؛ اعتمدت الدولة فلسلفة جديدة للحماية والعدالة الاجتماعية قائمة على المحددات التالية:
تكامل الأدوار بين الدولة والمجتمع المدني والأهلي والقطاع الخاص.
الاستهداف المخطط والفاعل للفئات الأولى بالرعاية والأكثر احتياجاً، لذلك كانت الحاجة ملحة وضرورية لتوحيد قواعد البيانات، دمجها وحوكمتها وتنقيتها منعاً لازدواج المنفعة والاستحقاق من جانب، واقتصارها على المستحقين الفعليين من جانب آخر.
المفهوم الشامل لعملية التنمية؛ وعدم اقتصارها على تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية كالأمن الغذائي، المنح والمساعدات النقدية والعينية، والخدمات الطبية، لكن شمول مظلة الحماية الاجتماعية لمفاهيم التمكين الاقتصادي لكافة الفئات حتى تتحول الفئة الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية إلى فئة قادرة اجتماعيا تتمتع بالاستقلال الاقتصادي شريك ومساهم أساسي في عملية التنمية.
لكن هذا التحول في الهياكل والبرامج والبنيان لم يكن يكتمل دون تحول حقيقي في عملية بناء الإنسان خاصة في ضوء تزايد تحديات الوعي والمدركات التي عانت من تشوه كبير على مدار عام كامل تحت حكم المحظورة. لذلك كان التحدي الأكبر هو عودة دولة المواطنة ذات الهوية الوطنية المصرية الموحدة، وهو ما ذهب إليه الدكتور محمد عثمان الخشت في كتابه “فلسفة المواطنة وأسس بناء الدولة الحديثة” من أن مفهوم المواطنة هو نقطة الارتكاز في التحول نحو الدولة الحديثة كمفهوم وممارسة.
على المستوى السياسي؛ جاء الحوار الوطني لإكمال عملية الهندسة والبناء، حيث الجميع مؤيدون ومعارضون يستثمرون في مفهوم الدولة الوطنية المستقرة. حيث مساحات التوافق بين الجميع أكثر حتى مما كان يعتقد رافضو دعوة الحوار من الأساس. إن الثلاثين من يونيو أكبر من مجرد ثورة عبر فيها المصريون عن إرادتهم الحرة، وأصبحت مشروعًا كبيراً لإعادة هندسة مفهوم بناء الدولة في معناها الشامل اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.