سامي جعفر يكتب | تحالف “الفيل والنملة”.. تفتيش في الذاكرة

0 237

على بعض القوى اليسار والقوميين مراجعة أفكارهم بعمق ومحاسبة أنفسهم على تحالفهم مع التنظيمات الإسلامية المتورطة في العنف والتحريض عليه، إذ منحتها غطاء ودعما سياسيا داخل وخارج مصر لم تكن تحلم به هذه التنظيمات، ما عمق الفجوة بين القوى المدنية والدولة.
في الماضي كانت التنظيمات الإسلامية ترفض فكرة التحالف مع اليسار والقوميين بشكل عام وتراهم خارجين عن الدين ودعاة لـ”العلمانية الكافرة” وتحفل أدبيات التنظيمات بهجوم شرس على كل ما هو غير إسلامي.
وكانت التنظيمات اليسارية والفصائل القومية تبادل الإسلاميين حربا بحرب لكنها كانت تبذل جهدا كبيرا لتبرءة ساحتها من تهمتي الكفر ومحاربة الإسلام وقائمة طويلة من الاتهامات ما زالت تطاردها حتى الآن.
ثم نبتت فكرة غريبة بضرورة أن يستفيد اليسار من قوة التنظيمات الإسلامية وتأجيل الحرب التاريخية بينما حتى يمكن التخلص من نظام الحكم الموجود، وحاول من يسمون بـ”الاشتراكيون الثوريون” إبرام تحالف مع التنظيمات الجهادية مثل الجماعة الإسلامية منتصف تسعينيات القرن الماضي لكن الأخيرة رفضت، فتحولت الدفة إلى جماعة الإخوان التي تلقفت الدعوة إلى التحالف بترحيب وجرت اجتماعات بين الطرفين في مقر نقابة المحامين عدة مرات وبعدها اشترك الطرفان في وقفات احتجاجية أمام نقابة الصحفيين، يتولى الاشتراكيون الثوريون قيادة الهتافات بينما يقتصر دور قواعد الإخوان على ترديدها، باستثناء الشعارات غير المتفق عليها، أما مدة المظاهرة فتخص الجماعة بالطبع.
واستمر التحالف بين الطرفين باستثناء شهور استولت فيها الجماعة على حكم مصر، قبل العودة مجددا وهو ما يفسر وجود أعداد من الاشتراكيين كمتهمين في قضايا الانضمام إلى جماعة إرهابية.
وخلال هذه الفترة انتقدت بقية التنظيمات اليسارية هذا التحالف وتناولوه بالسخرية، وأطلقوا عليها “تحالف الفيل والنملة”، إذ أن استراتيجية الإخوان قادرة على الاستفادة من الاشتراكيين وليس العكس وهو ما حدث في جميع المحطات السياسية فيما بعد حيث وظف الإخوان علاقتهم بالاشتراكيين لتقوية علاقتهم بمنظمات المجتمع المدني على مستوى العالم دون أن تلتزم الجماعة بالتوقف عن تشويه قوى اليسار اجتماعيا.
وتجربة الإخوان والاشتراكيين في مصر ليست الأولى من نوعها إذ عمل الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في النشاط الحقوقي جنبا إلى جنب مع كوادر إخوانية سورية في إحدى المنظمات التي تتلقى تمويلا من جورج سورس بطريق غير مباشر، وبعد سنوات طويلة عاد المرزوقي إلى تونس ليتولى رئاستها في إطار مقبول إخوانيا.
كما جذبت الجماعة أكثر من فصيل قومي وليبرالي للتعاون والتحالف معها وأحدهم وهو قائد ناصري تاريخي وصل إلى مقعد مجلس الشعب في انتخابات 2000 بتحالف انتخابي واضح وبعد سنوات تحالف مع الجماعة دون إعلان ثم ظهر التحالف علنا بعد 25 يناير 2011 في إطار الانتخابات البرلمانية 2012.
ولعل من الضروري الإشارة إلى الراحل الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الذي رفض في جميع الأحوال والمواقف التحالف مع جماعة الإخوان، باعتبارها وغيرها من التنظيمات الإسلامية خصما فكريا وعدوا للوطن رغم محاولات الجماعة التقرب منه، ورغم أنه كان في الوقت نفسه معارضا للنظام.

* سامي جعفر، سكرتير تحرير جريدة “المصري اليوم”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.