عمرو نبيل يكتب | مخاطر ظاهرة الخوف السياسي

0 499

لم يكن مشهد انتقال السلطة السياسية في مصر من قوة نفوذ وتأثير لا متناهية بلا أدنى مساءلة برلمانية أو شعبية إلى الوقوف خلف القضبان للمساءلة القضائية، والذي تكرر مرتين في غضون ثلاثة أعوام، بالمشهد السهل ولا اليسير، فهذا المشهد الاستثنائي في تاريخ مصر السياسي كان له تأثير بالغ؛ ففي البداية وعقب ثورة 25 يناير انتشرت ظاهرة “الأيادي المرتعشة” حيث أدى خوف المسئولين السياسي من المحاسبة إلى تعطيل دولاب العمل الحكومي، ثم مع احتدام الصراع السياسي بدأت القوى السياسية بعد حل الحزب الوطني وحظر جماعة الأخوان في تبادل الاتهامات بـ “الفلول” أو”الأخونة” أو “العمالة” لتخويف الناخبين من التصويت للمنافسين، وبعد ذلك وأثناء الحوار الوطني أقر العديد من أعضاء لجنة الخمسين بأن الخوف كان الدافع وراء وضع عدد من المواد الدستورية التي تقف الآن حجر عثرة أمام إصلاحات تشريعية.

لـ “ظاهرة الخوف السياسي” هذه آثار غاية في السلبية على الحياة السياسية المصرية؛ لأنها تغذي الشعور العام بأن الممارسة السياسية تنطوي على مخاطرة عالية فينصرف الإصلاحيين المهتمين بالشأن العام عن دخول المعترك السياسي، ما يجعله حكرًا على المتطرفين سواء اليمينيين أو اليساريين أو الثوريين، ومكمن الخطر هنا أن تطرف النخبة السياسية يؤدي إلى تطرف شعبي، فقد كشفت دراسات أن مشكلة موجة الشعبوية التي تجتاح الغرب حاليًا ترجع إلى تطرف النخب وتنتقل منها إلى الشعوب، ونظرًا لأننا في مرحلة سياسية صنعها جيل شاب انقلب على مشهد سياسي تزعمه الحزب الوطني المنحل ثم جماعة الإخوان المحظورة وتصدره قوى ثورية؛ فإن احتكار المتطرفين للمشهد السياسي يعني افتقاد هذا الجيل السياسي الشباب، الذي يمثل مستقبل الحياة السياسية المصرية، لقدوات وطنية وسطية إصلاحية قادرة على معالجة الاستقطاب السياسي والمعادلات السياسية الصفرية التي تعاني منها الحياة السياسية المصرية.
كما أن “ظاهرة الخوف السياسي” تؤثر سلبًا على جوهر السياسة المتمثل في عملية صنع السياسات الإصلاحية، لأنه عندما يحد الخوف السياسي من المشاركة السياسية فأنه يحد بالتبعية من التنوع في طرح بدائل للسياسات، وبالتالي يحد من عمق الجدل والنقاش العام الضروري لكشف إيجابيات وسلبيات بدائل السياسات التي تدعم تبني أفضلها، ويجعل الحوار السياسي سطحي مستقطب مشخصن مؤدلج بعيد عن الموضوعية، ولقد أشار د. أسامة الباز إلى الأثر السلبي للخوف السياسي على صنع السياسات سواء في التحفظ إزاء إمداد صانع السياسة بمعلومات يخشى أن يكون لها صدى غير موات أو تخمين الرأي الذي يتجه إليه صانع السياسة والتوصيه به رغم العلم بأنه ليس الأصوب أو الثناء على خيارات صانع السياسة وتجريح من يبدي رأيًا مختلفًا، ومما يضاعف من هذه الآثار السلبية أننا نمر بلحظة مصيرية حاجة الوطن فيها ماسة للسياسات الإصلاحية والحوارات السياسية العميقة الموضوعية.
الواقع السياسي الآن مؤهل للقضاء على “ظاهرة الخوف السياسي” ومعالجة مخاطرها على المجال العام والحياة السياسية، فلقد شهدت جلسات الحوار الوطني جرأة في مناقشة الملفات وانتقاد السياسات، كما شهدت الانتخابات الرئاسية الأخيرة معارضة واضحة للعديد من التوجهات السياسية، فما دامت الممارسة السياسية وطنية إصلاحية تبتغي الصالح العام ولا تخالف القانون ولا تهدد أمن الوطن؛ فإن الجرأة تكون مطلوبة لمواجهة التحديات المصيرية التي يمر بها الوطن في المرحلة الحالية، ولذلك نص الدستور على أن عضو البرلمان لا يسأل عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله، وهنا التمييز وعدم الخلط بين ثلاثة دوائر هي: دائرة القانون، دائرة الأمن، دائرة السياسة هام ومحوري في إرساء قواعد الممارسة السياسية الوطنية، وخلق ثقافة سياسية داعمة للمشاركة والنقد البَنَّاء وطرح البدائل، كي تكون الممارسة السياسية جزءًا من الحل بدلًا من أن تكون جزءًا من المشكلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.