محمد الصعيدي يكتب | على أبواب رفح تذكرنا خطاياكم

0 215

ولدت لأب من المؤسسة العسكرية المصرية، ضابط طيار مقاتلات. أمضى سنين ‏شبابه طيار مصري حامٍ لسماء الوطن. يحلق مدافعا عن أهل بلده ‏الكرام، ضد العدو الأول في عقيدة كل مواطن مصري، العدو الصهيوني المغتصب ‏للأرض، قاتل الأطفال الأبرياء في بحر البقر، العدو الذي انتهك كل المعاهدات ‏الدولية والإنسانية في حروبه، عدو لا كرامة له، يختبئ تحت الآلة العسكرية الغربية، ‏التي وضعته في منطقتنا لخدمة أجندتها الاستعمارية متعددة الأشكال، ومحركا ‏ومحفزا أساسيا للصناعة الأمريكية الأكثر ربحية، صناعة الأسلحة، حيث القتل ‏والتفرقة والاضطهاد.‏
عشقي لمصر وترابها كان وسيظل ايماناً راسخ أفخر به. منذ طفولتي كنت ‏أنتظر يوم السادس من أكتوبر لأسجل الأفلام الحربية على شرائط الفيديو وأعاود ‏مشاهداتها مرارا، وتدمع عيناي من شدة الفخر على أنغام “رايحين معانا سلاح، ‏وراجعين في إيدنا النصر”، وترتجف أطرافي عند سماع خطاب النصر من الرئيس ‏البطل الشهيد (محمد أنور السادات). وُلعْتُ بصلاح الدين ومسعاه لتحرير القدس ‏وإرساء قواعد العدل بين كل سكان المدينة المقدسة، باختلاف دياناتهم وجنسياتهم.‏
اعتدت إن تجمعنا باسرائيل الحرب، لكن تفرقنا عنهم قيم الكرامة والضمير، فنحن لا ‏نحارب إلا إذا تم الاعتداء علينا، وإذا حاربنا لا نقتل طفلاً ولا نحرق شجرة، فمصر ‏فجر الضمير الإنساني وجذوره الأولى.
عندما سُئلت عن طموحي وأنا طفل، كان ردي مختلفًا بعض الشيء عن الآخرين، ‏رد ارساه داخل قلبي حماسة أبي، وعمق تفكير أمي التي طالما رددت: أنك من ‏يتعين أن يفاوض إسرائيل، لشعورها بقدرتي على الجدل والتفاوض. كنت أحلم بأنني ‏أمشي على ضفاف النيل حاملاً شعار تحرير فلسطين، ينضم إليّ عشرة آلاف ‏مصري، حيث كان هذا الرقم كبيرا للغاية في مخيلة طفل، لم تزد سنوات عمره عن ‏أصابع يديه. حلمت أن أفاوضهم لأنتزع حقوق الشعب الفلسطيني لأصبح امتدادا ‏لوالدي والسادات وصلاح الدين. كبرت وزادت سنوات العمر فكانت “آفة حارتنا ‏النسيان” كما قالها الأستاذ المبدع نجيب محفوظ.‏
تعلمت في مدارس دولية، وأكملت دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية، والتقيت ‏ببعضهم هناك، شعرت بأننا البشر جميعا يمكن أن تظللنا الإنسانية الرحبة، حيث ‏التواصل لا التقاتل، هدأت قناعاتي القومية، ونمت الأفكار العلمانية المحفزة للفردية، و ‏للتنمية، والرخاء، ونبذ كل أشكال العنف.‏
لمست بمرور سنوات الصراع بذل الدولة الإسرائيلية وحلفائها جهودا حثيثة للاندماج ‏في السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ‏بإصرار ودأب. بمرور الوقت، لم تعد هناك كراهية داخلي لهذا الكيان الطموح، ‏خاصة مع ملاحظة تمتعه بالتوازن السياسي، ودعمه للأهداف المصرية في المحافل ‏الدولية. فالحرب في النهاية ليست إلا موتا ودمارا ولا مفر من السلام. وتشجيع ودعم ‏مسيرة التنمية في الدولة المصرية واستقرارها.‏
نجحت إسرائيل ــ مع الوقت ــ في أصعب المعارك على الإطلاق، معركة تغيير ‏الوعي وتذليل العزائم. أبعدت الخوف من قلوبنا، لكن ظل توجسا ما.
وبعد سنوات من السلام والتوافق مع جميع الأطراف العربية، ذات الثقل السياسي ‏مثل: مصر والأردن والإمارات والبحرين، ومع السلطة الفلسطينية ذاتها، تغلّب على ‏القائمين على الدولة الإسرائيلية جانبهم الدموي الاستعلائي.‏
لعل الجميع الآن يتساءل: لماذا كل هذه المغالاة في القتال والخصومة؟ فالرد ‏الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى يتعدى كل الأعراف الدولية، لماذا قتل كل ‏هذه الآلاف من الأبرياء، وتدمير المستشفيات وتصفية العناصر الطبية والصحفية، ‏تدمير المدارس والجامعات والمخابز، لماذا تهدم كل ما هو مقدس وآمن في أرض ‏وعدها الله بالسلام؟ ‏
لقد بات بديهيا أن القتل هو هدف إسرائيل الأساسي، لإنهاء حياة كل من له حق في ‏الأرض، أو تهجيره عنها، واستبعاد، بل نفي ما تبقى له من حقوق العيش الآمن ‏على أرضه. إنهاء القضية الفلسطينية أول غاياتهم، وبعدها مباشرة ستطل أساطيرهم ‏الموعودة نحو النيل وأرض مصر.‏
استيقظت فظائعهم ومعاركهم مرة أخرى في الذاكرة والنفوس، تاريخهم الأسود ‏وحاضرهم، ودمروا بما فعلوه بإخواننا في غزة مساعيهم الماضية لتحسين صورتهم ‏كدولة في عين كل إنسان حر في هذا العالم غير العادل. ولذا سأظل أنا وجيلي ‏نعي وندرك أن لدينا عدوًا دمويًا وأنانيا، ونعلم أطفالنا أن هناك عدوا يتربص بهم ‏جهة الشرق، من بعد جبل موسى. وأن لهذا العدو بجانب شن الحروب التي بلا ‏اخلاق أساليب حرب خبيثة، تتجسد في تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية ‏والثقافية للمصريين والعرب. ولذا يتعين علينا أن نكون أقوياء، ذوي مكانة عسكرية ‏قوية ومحدثة دائما، نحرص على التنمية والكفاية الاقتصادية، مكانة متطورة علميا ‏ومعرفيا، تواصل فعال مع العالم حولنا حتي نوضح اهدافنا و دوافعنا.
تحيا مصر الضمير، يحيا شعب مصر الكريم، تحيا فلسطين حرة ومستقلة ‏ويحيا أهلها، أهل الكرامة والعزة.‏

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.