كريمة حسين تكتب | مصر وأفريقيا والهوية المشتركة

0 441

لا شك أن الإنتساب إلى بقعة جغرافية معينة هو مكون أساسى من مكونات الهوية القومية أو الوطنية لأى دولة ، وقد تسهم جغرافيا المكان بشكل كبير فى رسم أبعاد شخصية الدولة وتعمل على تشكيل الكثير من مظاهرها الحضارية والبشرية، حيث كتب المفكرالكبير جمال حمدان معبراً عن مفهوم الجغرافيا قائلاً” إن الجغرافيا ليست خطوط طول وعرض فحسب، بل هى قيمة ما تحويه هذة الخطوط من تركيبات اجتماعية وهويات وثقافات ومنتجات وثروات ”
وحيث أن مصرتنتسب إلى أفريقيا جغرافياً لوجودها داخل هذه القارة فى الركن الشمالى الشرقى منها وترتبط بها عبر شريان هام للحياة على أرضها وهو نهر النيل الذى تجرى مياهه من قلب أفريقيا لتسرى كالدماء على أراضى إحدى عشرة دولة من الجنوب إلى الشمال ليجمعهم فى وحدة جغرافية مشتركة هى حوض النيل والذى تتقاسم كل هذه الدول مياهه من المنبع من بحيرة فيكتوريا إلى المصب على أرض مصروالسودان ليصبح النيل عامل ربط قوى بين مصروأفريقيا وتصبح أفريقيا بحكم الطبيعة والإنتماء والجوار جزء أصيل من هويتنا القومية ، فقد تحدث الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة عن ذلك ” أما عن أفريقيا فلن نستطيع الفكاك منها حتى لو أردنا ذلك ، فنحن جزء من القارة الأفريقية والنيل وهو سروجودنا ينبع من قلب هذه القارة “.
وكما أكدت الطبيعة والجغرافيا الهوية الإفريقية لمصر ،هناك أيضاً روابط حضارية وتاريخية مشتركة بين مصروأفريقيا دعمت أيضاً من المكون الأفريقي للهوية المصرية ،فهناك الكثير من الشواهد التي تشير إلى الإتصال الحضارى والثقافى بين مصروأفريقيا في مختلف عصور التاريخ حيث يقول ريسنر أحد الكتاب البريطانين الذين كتبوا فى تاريخ الوادى “ولما كانت مصر تتصل بوسط أفريقيا عن طريق أثيوبيا ،فقد أصبح تاريخ هذا الإقليم لا يمكن فصله عن تاريخ مصر ، كما أن ذلك التاريخ لا يمكن فهمه إلا على ضوء تاريخ مصر جارة أثيوبيا الكبرى من ناحية الشمال “، وذكرت أيضاً بعض كتب التاريخ ما يؤكد تأثر القارة بالحضارة المصرية القديمة وهى ” أن أنظمة مصر الإدارية وفنونها وعلومها ومعتقداتها الدينية ومثلها الروحية والأخلاقية إنتقلت في الأقاليم الجنوبية من أفريقيا ،وأن أهل الشمال والجنوب إمتزجا إمتزاجاً حقيقياً في وطن واحد ، ويدل على هذا كله الاثارالموجودة في شمال السودان ؛ وما سجلته كتب التاريخ أيضاً أن مصر نفسها كلما أضعفت الإعتداءات الخارجية روحها القومية كانت تستمد من الحيوية القومية من الجنوب ما يعينها على النهوض .
كل هذه المظاهر الطبيعية والحضارية جمعت ما بين مصر وأفريقيا في وحدة حتمية يصعب على أي منهما الإستغناء عنها أو التحرك خارجها أو منفرداً ،فكلاهما يرتبط بالأخرويخدم كل منهما الاخر على حد سواء ، إن ما يجمع مصربأفريقيا ويجمع أفريقيا بمصر ليس فقط وحدة الجغرافيا والتاريخ بل تجمعهم وحدة المصالح المشتركة والراسخة التي تحتم عليهم أن يتيقنوا أن قضاياهم واحدة ومصيرهم واحد في ظل عالم يموج بتقلبات سياسية وصراعات عالمية تتسابق فيها دول العالم للإستحواذ دائما على إفريقيا سياسياً وإقتصادياً وثقافياً وخير دليل على ذلك الماضى الإستعمارى لأفريقيا الذى عانت منه على يد القوى الكبرى وتخلصت منه إفريقيا بالكفاح المشترك بينها وبين مصر التي تزعمت هذا الكفاح ، كما إننا نذكر لأفريقيا دعمها لمصر في معركتها العسكرية ضد إسرائيل ، حيث رأت دول القارة أن النصر في أكتوبر ١٩٧٣ هو نصرا لها حين قال رئيس زائير فى خطابه أمام مجلس الشعب المصرى ” حين وضعتم النهاية لأسطورة التفوق العنصرى للصيهونيين ، فإنكم تكونون قد عاونتم فى التقدم بقضية الشعوب الأفريقية التى تناصل والسلاح فى إيديها “.وقال أيضا ” إذا كان للمرء أن يختار بين صديق و شقيق فإنه يختار الشقيق “.
وهنا يتضح أن الجغرافيا والتاريخ يقفان دائماً خلف السياسة ، فإفريقيا بالنسبة لمصرهى العمق الإستراتيجى الأهم والأخطروالظهير الضخم لها ؛ ومصرهى بوابة أفريقيا وحارسها فى الشمال الشرقى ، فكل هذه دوافع تستدعى من الجانبين تعزيز العلاقات بينهم وتوسيع أوجه التعاون في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية لأبعاد أعمق وأشمل من التي كانت عليه في الماضى لتأكيد الهوية المشتركة بينا والتي أكدها أنا بكلماتى هذه ” أن مصرأرض إفريقية التاريخ والجغرافيا وأفريقيا أرض مصرية الحضارة والثقافة.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.